الرئيسية | دروس في المعارف الإلهية | دروس في المعرف الالهية . من الدرس (604 ـ 800) المقصد الاول / المقدمة | مَعَارِف إِلْهِيَّة : (665) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

مَعَارِف إِلْهِيَّة : (665) ، مَسَائِلٌ وفَوَائِدٌ وقَوَاعِدٌ في مَعَارِفِ الإمَامِيَّة/ الْمُقَدَّمَةُ / فَوَائِدٌ

16/11/2025


الدَّرْسُ (665) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلَّىٰ الله على مُحَمَّد وآله الطَّاهِرِين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعْدَائِهِمْ أَجَمْعَيْن ، وَصَل بِنَا البَحْثُ ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) في الدَّرْسِ (201 ) الى مُقَدَّمَةِ (المَسَائِل والفَوَائِد والقَوَاعِد الْعَقَائِدِيَّة والمَعْرِفِيَّة ، الْمُسْتَفَادة من عَقَائِدِ و مَعَارِفِ الإمَامِيَّة ؛عَقَائِد و مَعَارِف مَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) ، وقَبْلَ الدُّخُول في صَمِيمِ الْبَحْث لابُدَّ من تَقْديم تَنْبِيهَات وفَوَائِد وقَوَاعِد عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ تسهيلا لهضم تلك المَسَائِل والمطالب ، وتَقَدَّمَ : أَوَّلاً (74) تَنْبِيهاً ، من الدَّرْسِ(202 ـ 313) ، وسنذكر (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) ثانياً من الدَّرْسِ(314)(1800) فَائِدَةً تقريباً ، ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى الْفَائِدَةُ : (257) ، ولازال البحث فيها ، وكانت تحت عنوان : « لِكُلِّ عِلْمٍ لغته العِلْمِيَّة والمَعْرِفِيَّة التَّوْحِيدِيَّة » ، وعنوان : « لِكُلِّ قُوَّةٍ من قوى المخلوق إِمْكانِيَّةُ إدْرَاكُ الْآيَات الرَّبَّانِيَّة » ؛ فإِنَّه تُسجَّل على مشارب ومدارس البشر المَعْرِفِيَّة بمختلف اِتِّجَاهَاتها ملاحظات وأُمور ، منها : 1ـ إِنَّ في جملة مدارس البشر : مِسَاحَات بعضها بديهيَّة وبيِّنَة ومُحْكَمة ، والأُخرى نظريَّة في عُرْضَةِ الخطأ والإخفاق . 2ـ لا توجد مَدْرَسَة بشريَّة قَطُّ اِسْتَوْعَبَتْ مطلق أَبواب المعارف ، بل وكذا لا توجد مَدْرَسَة منها اِسْتَوْعَبَتْ كافَّة اللُّغات الْعِلْمِيَّة . وعليه : فعلى مَنْ يبتغي التنوُّع والتَّلوُّن والأُفق الشاسع ، وقراءة بيانات الوحي : عدم الْاِنْحِبَاس بمشربٍ ومَدْرَسَةٍ خاصَّةٍ ، بل يُراجع ويَطَّلِع على المدارس المَعْرِفِيَّة واللُّغات العِلْمِيَّة كافَّة ؛ كيما يكون أَقرب للحَقِّ والصَّواب ؛ فإِنَّ لِكُلِّ عِلْمٍ من العلوم ـ كعِلْمِ : الهندسة ، والطب ، والكيمياء ، والفيزياء ، والرياضيَّات ـ لغته المَعْرِفِيَّة الخاصَّة ؛ فالـمُتَخَصِّص بعِلْمِ الهندسة ـ مَثَلاً ـ يمكنه قراءة دلائل توحيديَّة لا يقرؤها المُتكلِّم والفيلسوف والحكيم ؛ لأَنَّ النظام الرِّياضي الهندسي في الكون أَحد آيات عظمة الخلقة الإلهيَّة ؛ ولا يمكن للمُتكلِّم والفيلسوف والحكيم من حيث هو قراءتها بقراءته . وعلى هذا فقس غيرها من التَّخصُّصَات ؛ فإِنَّهم يقرؤن دلائل في التوحيد ـ من خلال المعاجز المُذهلة في عظمة خلقة نسيج الإنسان أَو المكوِّنات الحيوانيَّة في الحيوان أَو في عَالَم النبات أَو البيئة ـ لم يقرءها المُتكلِّم والفيلسوف . وبالجملة : كُلُّ تخصُّصٍ يمكن أَنْ تكون لغته العِلْمِيَّة في المساحات البديهيَّة ، بل والنظريَّة لغة من لغات المعارف . بل كُلُّ قُوَّةٍ مِنْ قِوَى الإنسان ، بل من قوى جملة المخلوقات يمكن استخدامها لإِدراك آيات ربانيَّة باهرة دالَّة على عظمة القدرة الإلهيَّة ، بل ولمعاينة عظمة غيب الغيوب سبحانه وتعالى . ووصلنا ( بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى) الى المطلب التالي : وخذ على ذلك المثالين التاليين : الأَوَّل : ما أدركه ( سحرة فرعون )؛ فإِنَّهم آمنوا بالنَّبيِّ موسى عليه السلام ؛ لتمتّعهم بقدرةٍ روحيَّةٍ ، وهي: ( قدرة الخيال )(1)؛ فلكونهم نخبة وأَصحاب خبرةٍ في التَّصَرُّف في الصور الكونيَّة الماديَّة أَدركوا من خلال ستار قدرة الغيب : أَنَّ ما أَتَى به عليه السلام ليس من عَالَم الخيال قَطُّ ، بل لمعان غيب ومعجزة ، وتجلِّي لقدرة الغيب القاهرة ، فأَدركوا ما لم يُدركه الحكماء والفلاسفة وأَصحاب الرِّياضات والمعنويَّات والعرفان في زمانهم ، وسبقوهم للإِيمان ، فسجدوا بخشوعٍ وخضوعٍ من دون مهلة ، فأصبحوا سحرةً كفرة ، وأَمسوا شهداء بررة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : « ... ثُمَّ قال فرعون للملأ الَّذِي حولَه : [إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ] إلى قوله : [لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ](2) وكان فرعون وهامان قد تَعلَّما السِّحْرَ ، وإِنَّما غلبا النَّاس بالسِّحْرِ، وادَّعى فرعون الرُّبوبيَّة بالسِّحْرِ ، فلمَّا أَصبح بعث في المدائن حاشرين ؛ مدائن مصر كلّها ، وجمعوا أَلف سَاحِرٍ ، واختاروا من الأَلف مائة ، ومن المائة ثمانين ، فقال السَّحَرَةُ لفرعون : قَدْ عَلِمْتَ : أَنَّه ليس في الدُّنيا أَسحر مِنَّا ، فإنْ غَلِبْنَا موسى فما يكون لنا عندك ؟ قال : [إِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ](3) عندي ، أُشارككم في ملكي ... فلمَّا أَرتفع النَّهار في ذلك اليوم ، وجمع فرعون الخلق والسَّحَرَة ، وكانت له قبَّة طولها في السَّماء ثمانون ذراعاً ، وقد كانت لبست الحديد الفولاذ(4)، وكانت إِذا وقعت الشَّمس عليها لم يقدر أَحدٌ أَن ينظر إِليها من لمع الحديد ووهج الشَّمس، وجاء فرعون وهامان وقعدا عليها ينظران ، وأَقبل موسى ينظر إلى السماء، فقالت السَّحَرَة لفرعون : إِنَّا نرى رجلاً ينظر إِلى السَّماء ولم يبلغ سِحْرُنا السَّماء ، وضمنت السَّحَرَةُ مَنْ في الأَرض . فقالوا لموسى : [إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ](5) قال لهم موسى : [أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ](6) فأقبلت تضطرب مثل الحيَّات وهاجت ، فقالوا : [بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ](7)(8) [فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى](9) فنودي : [لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى](10) فألقى موسى العصا فذابت في الأَرض مِثْل الرصاص ثُمَّ طلع رأَسها وفتحت فاها ووضعت شدقها العليا على رأس قبَّة فرعون ، ثُمَّ دارت(11) والتقمت عصيَّ السَّحَرَة وحبالها ، وغُلِبَ كلّهم وانهزم النَّاس ، حين رأَوها وعِظَمهَا وَهَوْلها مِمَّا لم ترَ العين ولا وَصَفَ الواصفون مِثْله قبل ، فقُتِلَ في الهزيمة من وطء النَّاس بعضهم بعضاً عشرة آلاف رَجُل وامرأة وصبيّ ، ودارت على قبَّة فرعون ، قال : فأَحدث فرعون وهامان في ثيابهما ، وشاب رأسهما ، وغشي عليهما من الفزع ، ومَرَّ موسى في الهزيمة مع النَّاس فناداه الله : [خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى](12) فرجع موسى ولَفَّ على يده عباءة كانت عليه ثُمَّ أَدخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت ، وكان كما قال الله : [فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ](13) لَـمَّا رأَوا ذلك [قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ](14) فغضب فرعون عند ذلك غضباً شديداً ، وقال : [آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ] يعني : موسى [الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ](15) [فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ](16) فقالوا له كما حكى الله عَزَّ وَجَلَّ : [لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ](17)... »(18). المثال الثَّاني : معجزة النَّبيّ عيسى عليه السلام في إحياء الموتى وإِبراء الأَكمه والأَبرص ، فإنَّ أَوَّل من أَدركها وسبق للإيمان بها : أَطباء زمانه عليه السلام قبل الفلاسفة والعرفاء وأَصحاب الرِّياضات والمعنويَّات في ذلك الزمان. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قدرة الخيال تختلف عن قدرة العقل. (2) الشعراء: 34 – 38. (3) الشعراء: 42. (4) خ. ل: (لبست بالفولاذ المصقول). (5) الأعراف: 115. (6) الشعراء: 43 - 44. (7) الشعراء: 44. (8) خ . ل: (فهال النَّاس ذلك). (9) الأعراف: 67. (10) الأعراف: 68 - 69. (11) خ . ل: (وأَرخت شفَّتها السفلى) . (12) طه: 21 . (13) الشعراء: 46. (14) الشعراء: 47 - 48. (15) الشعراء: 49. (16) الأعراف: 123 – 124. (17) الشعراء: 50 – 51 . (18) بحار الأنوار، 13: 120 / ح21