/ الفَائِدَةُ : (145) /
03/12/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / وحي القرآن شعاع من بحور وحي حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الحسن العسكري صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « قد صعدنا ذرىٰ(1) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا(2) سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية ، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(3) ذاق من حدائقنا الباكورة ... »(4). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ ـ بمعونة بيانات الوحي الاخرى ـ على أَنَّ حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة هي : وسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) ، و كافَّة العوالم وسائر المخلوقات غيرالمتناهية . مضافا : أَنَّ طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم الصَّاعدة هي : الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ كما تقدم ، بل وسياتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) بيانه ـ ويضاف اليه : أَنَّ نفس القرآن الكريم وصف حقيقته ووحيه بصيغة الماضي (أَوحينا) الدَّالَّة على المحدوديَّة والتناهي(5)، ووصف حقيقة ووحي ذات سيِّد الأَنبياء وبالتَّبع سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في أَكثر من بيانٍ بصيغة المضارع (يوحىٰ) الدَّالَّة على الاستمرار والتجدُّد التأبيدي ، يتَّضح ويتجلَّىٰ هذا البيان الشَّريف أَكثر ، لاسيما عجزه ؛ فإِنَّ المراد من بيان قوله صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «وروح القدس» أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والمُعبَّر عنها في بيانات الوحي الأُخرىٰ بـ : (الرُّوح الأَمري) ، وهو شُعْبَة من شُعَب أَرواح أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وشريحة صغيرة من أَرواحهم المُقدَّسة ، ومرتبة هذه الرُّوح في السَّمآء الرَّابعة أَو الثَّالثة ـ على اختلاف التَّفاسير ـ ، موجودة في جنَّة أسمها : (الصَّاقورة) على وزن فاعولة ، مأخوذة من مادَّة الصغر ؛ هذا بالقياس إِلى جنان وحدائق وحي ومعارف حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الأُخرىٰ الصَّاعدة ، وفي هذه الجنَّة يأخذ روح القدس ـ أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ وحيه ومعارفه من حدائق وبحور حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الطمطامة غيرالمتناهية ، لكن : كُلّ ذلك الوحي الشَّريف وتلك المعارف الإِلٰهيَّة الخطيرة الَّتي حوتها حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة لم تتعدَّ مقام الذوق ـ أَي : شيء قليل جِدّاً بلحاظ ما عند أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من وحيّ غيرمتناهي ـ ، وكميَّة الذوق ونوعيَّته كانت بمقدار الباكورة ـ أَي : من ثمار بحور معارف ووحي حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غيرالمتناهي لكن في بداية نضوجها ـ . وهذا دالٌّ على مدىٰ عظمة وهول وخطر ما تحويه حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من وحي ومعارف إِلٰهيَّة. إِذَنْ : حقيقة وحي ومعارف القرآن الكريم وإِنْ كانت بنفسها وبلحاظ ما تحتها غيرمتناهية وعظيمة ومهولة جِدّاً ، لكنَّها إِذا قيست إِلى ما فوقها ـ أَي : إِلى حقائق وحي ومعارف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ كانت شعاعاً ضعيفاً ونازلاً من أَشعَّة نور وبحور وحيهم ومعارفهم وحقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الطمطامة المتلاطمة غيرالمتناهية أَبداً وأَزلاً. وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً لفهم معضلات أَحوال وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الذُّرىٰ : جميع الذُّرْوَة ، وهو : العلو. والمكان المرتفع. وأَعلىٰ الشيء وقمَّته. (2) في نسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية). وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوة والهداية). (3) في نسخة : (الصَّاغورة). (4) بحار الأَنوار ، 26 : 264 ـ 265/ح50. (5) هذا بلحاظ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، أَمَّا بلحاظ ما تحت حقيقته الصَّاعدة من مخلوقات ، منها : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ النَّازلة ، فالقرآن الكريم غيرمحدود وغيرمتناهي وهو الأَعظم ، فهذه قضيَّة نسبيَّة ، فالتفت. وإِلى كُلِّ هذا تُشِير بيانات الوحي ، منها : بيانات حديث الثقلين . فلاحظ : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « يا أَيُّها النَّاس ، إِنِّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأَكبر ، والثقل الأَصغر ... قالوا : وما الثقل الأَكبر ؟ وما الثقل الأَصغر ؟ قال: الثقل الأَكبر كتاب الله ... والثقل الأَصغر عترتي أَهل بيتي ». بحار الأَنوار ، 23 : 140/ح89. بصائر الدرجات : 122 ـ 123. وهذا البيان الشَّريف مُشِيرٌ إِلى النَّحو الثَّاني ؛ فإِنَّ طبقات حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة إِذا قيست إِلى طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ النَّازلة كانت هي الأَعظم . أَمَّا إِذا قيست طبقات حقيقته الصَّاعدة إِلى طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة أَيضاً كانت طبقات حقائقهم صلوات اللّٰـه عليهم هي الأَعظم والأَخطر على الإِطلاق. وإِلى هذا تُشير بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... وإِنِّي تارك فيكم الثقلين ، أَحدهما أَعظم من الآخر : كتاب اللّٰـه ... وعترتي أَهل بيتي ... ». بحار الأَنوار ، 10 : 369/ح18. ولم يُصَرِّح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بتقدُّم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ للتقيَّة. بل صرَّحَت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فَكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمنَّا وعنَّا ... ». بحار الأَنوار، 25 : 24/ح41. بتقريب : مُرَكَّبٌ من مُقدِّماتٍ ثلاثةٍ : الأُولىٰ : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ؛ والمُتمثِّلة بـ : (روح القُدس ؛ أَي : الرُّوح الأَمري) من كُمَّل المخلوقات الإِلٰهيَّة الشَّريفة. الثَّانية : أَنَّ وحي القرآن الكريم أَحد العلوم السَّماويَّة. الثَّالثة : أَنَّ جملة ما خرج من علوم إِلٰهيَّة لأَهل السَّماوات والأَرض منهم روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون إِلَّا عن طريق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فهي منهم وعنهم . ومعناه : أَنَّهم صلوات اللّٰـه عليهم مُعَلِّمُون إِلٰهيُّون. والنتيجة : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة تلميذٌ لطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ومُتَعَلِّمٌ منها ، فيكونوا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم هم الأَخطر والأَعظم . فَاِلْتَفِت ، وتَدَبَّرَ جَيِّدًا