/ الفَائِدَةُ : (143) /

02/12/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / وحي القرآن لا يكون إِلاَّ من طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ / وحي القرآن شُعاع من بحور وحي حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ هناك قضيَّة يَنْبَغِي صَرْفِ النَّظَرِ إِليها والْاِطِّلَاع عليها ، حاصلها : أَنَّ ما يأتي به جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ من وُحِيٍّ لا يكون إِلَّا بتُوَسِّطِ طبقات حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمُتَوَسِّطَة ؛ لأَنَّها المنبع ، وبتُوَسِّطِ طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْمُتَوَسِّطَة أَيضاً ؛ لأَنَّها باب ذلك المنبع المُقدَّس . بل الوحي الصَّاعدة ـ وحي (روح القدس) حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ لا يكون منبعه إِلَّا الطَّبقات الصَّاعدة لذات حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وباب إِفاضته ونزوله على مراتب طبقات ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمُتَوَسِّطَة لا يكون إِلَّا طبقات حقائق ذات أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. بل وحي القرآن الكريم بطبقته الصَّاعدة ـ أَي : طبقة (روح القدس) و(الروح الأَمري) ـ فضلاً عن النَّازلة لا يكون إِلَّا شيء يسير وشعاع نازل من أَشعَّة نور وبحور وحي ذوات وحقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الطمطامة المُتلاطمة وغير المُتناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الحسن العسكري صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « قد صعدنا ذرىٰ (1) الحقائق بأَقدام النُّبُوَّة والولاية ، ونوَّرنا سبع طبقات أَعلام الفتوىٰ بالهداية (2)، فنحن ... غيوث الندىٰ ... وروح القدس في جنان الصَّاقورة(3) ذاق من حدائقنا الباكورة ... »(4). ودلالته قد اِتَّضحت ؛ فإِنَّه بعدما تقدَّم وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) من أَنَّ حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة هي : وسائط الفيض الإِلٰهيّ الحصريَّة الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) ، وكافَّة العوالم وسائر المخلوقات غير المتناهية وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) ، وتقدَّم أَيضاً : أَنَّ طبقات حقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الصَّاعدة هي : الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ، وتقدَّم كذلك : أَنَّ نفس القرآن الكريم وصف حقيقته ووحيه بصيغة الماضي (أَوحينا) الدَّالَّة على المحدوديَّة والتناهي ، ووصف حقيقة ووحي ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء وبالتَّبع سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في أَكثر من بيانٍ بصيغة المضارع (يوحىٰ) الدَّالَّة على الاستمرار والتجدُّد التأبيدي ، يتَّضح ويتجلَّىٰ هذا البيان الشَّريف أَكثر ، لاسيما عجزه ؛ فإِنَّ المراد من بيان قوله صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « وروح القدس » أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والمُعبَّر عنها في بيانات الوحي الأُخرىٰ بـ : (الرُّوح الأَمري) ، وهو شُعْبَة من شُعَب أَرواح أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وشريحة صغيرة من أَرواحهم المُقدَّسة ، ومرتبة هذه الرُّوح في السَّمآء الرَّابعة أَو الثَّالثة ـ على اختلاف التَّفاسير ـ ، موجودة في جنَّة أسمها : (الصَّاقورة) على وزن فاعولة ، مأخوذة من مادَّة الصغر ـ هذا بالقياس إِلى جنان وحدائق وحي ومعارف حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الأُخرىٰ الصَّاعدة ـ وفي هذه الجنَّة يأخذ روح القدس ـ أَي : حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ وحيه ومعارفه من حدائق وبحور حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الطمطامة غير المتناهية ، لكن : كُلّ ذلك الوحي الشَّريف وتلك المعارف الإِلٰهيَّة الَّتي حوتها حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة لم تتعدَّ مقام الذوق ، أَي : شيء محدود وقليل جِدّاً بلحاظ ما عند أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من وحيٍّ غير متناهٍ ، وكميَّة الذوق ونوعيَّته كانت بمقدار الباكورة ، أَي : من ثمار بحور معارف ووحي حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غير المتناهي ؛ لكن في بداية نضوجها . وهذا دالٌّ على مدىٰ عظمت وخطر وهول ما تحويه حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من وحي ومعارف إِلٰهيَّة. إِذَنْ : حقيقة القرآن الكريم ووحيه ومعارفه وإِنْ كانت بنفسها وبلحاظ ما تحتها غير متناهية وعظيمة ومهولة جِدّاً ، لكنَّها إِذا قيست إِلى ما فوقها ؛ أَي : إِلى حقائق وحي ومعارف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة كانت شعاعاً ضعيفاً ونازلاً من أَشعَّة نور وبحور وحيهم ومعارفهم وحقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الطمطامة المتلاطمة غير المتناهية أَبداً وأَزلاً. وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً لفهم معضلات أَحوال وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فالتفت ، وتدبَّر جيِّداً ، واغتنم . وعليه : فوحي القرآن الكريم ـ سوآء كان الوحي النَّازل عن طريق جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، أَو الوحي الصَّاعدة عن طريق (روح القدس) ـ من سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ لكونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قمَّة الهرم ، إِلى سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ . فتأَمَّل جيداً. وهذه وغيرها نِكَاتٌ بِكْرٌ ما فُضَّت من قبل قَطُّ ، خذها واغتنم ، وعظ عليها بضرس قاطع تربت يداك. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الذُّرىٰ : جمع (الذُّرْوَة)، وهو : العلو والمكان المرتفع . وأَعلىٰ الشيء وقمَّته . (2) في نُسخة : (ونوَّرنا سبع طبقات النُّبوَّة والهداية) . وفي أُخرىٰ : (سبع طبقات أَعلام الفتوَّة والهداية). (3) في نسخة : (الصَّاغورة). (4) بحار الأَنوار، 26 : 264 ـ 265/ ح50