/ الفَائِدَةُ : (129) /
28/11/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / عدم تناهي أَسماء وصفات وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... آل مُحَمَّد ... علم الأَنبياء في علمهم ؛ وسرّ الأَوصياء في سرِّهم ؛ وعزّ الأَولياء في عزِّهم كالقطرة في البحر ، والذَّرَّة في القفر. والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بَرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ... »(1). ثانياً : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فقفوا على أَمرنا ونهينا ، ولا تردوا كلّ ما ورد عليكم مِنّا ؛ فإِنّا أَكبر وأَجَلّ وأَعظم وأَرفع من جميع ما يرد عليكم ، ما فهمتموه فاحمدوا اللّٰـه عليه ، وما جهلتموه فكلوا أَمره إِلينا وقولوا : أَئِمَّتنا أَعلم بما قالوا ... »(2). ثالثاً : بيان أَبي الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مخاطباً عَلِيّ بن أَبي حمزة ، قال : « ... لا تعجب فما خفي عَليكَ مِنْ أَمر الإِمام أَعجب وَأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرة من ماءٍ ، أَفترىٰ الَّذي أَخَذَ بمنقاره نقص من البحر شيئاً ؟ فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ... ولا تنفد عجائبه »(3). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة بعد ما كانت نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب والرباط الإِلٰهي التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه) و جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غيرالمتناهية ، والأَشَدَّ إِلتصاقاً ونوطاً وقرباً للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبعدما كانت تلك الطَّبقات الشِّريفة خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة فناء حكاية ـ لا تحقُّقاً ـ ، وصارت تجلِّيات وظهورات للذَّات المُقدَّسة انعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ، نظيره : ما مَرَّ في مِثال المرآة شديدة الصقل والصفاء والإِنعكاس ، والفانية في حكاية ذيها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، فلا تُرِي نفسها ، بل محكيِّها ، ومن ثَمَّ يأخذ ما اِنْطَبَعَ فيها جميع صفات محكيِّها ، لكنَّه بالتَّبع وإفاضة من محكيها . ومثال : (الصَّرح) في قضيَّة بلقيس ؛ الواردة في بيان قوله (جلَّ قوله) : [ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (4) ؛ فإِنَّه لشدَّة صفائه وانعكاسه وفناء ذاته في الحكاية ؛ فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه انعكست فيه جميع صفات محكيِّه ـ اللُّجَّة : الماء الغزير ـ فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ، وأَنَّه (صرح مُمرَّد) لم يُرِ نفسه آمنت من دون مهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة ، وحيث إِنَّ ذات الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وصفاته وأَسمآئه وشؤونه وأَفعاله مُتَّصفة بـ : (عدم التناهي) أَنعكست هذه الصفة في طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ وفي صفاتها وأَسمآئها وأَفعالها فكانت غيرمتناهية أَيضاً. وهذا ما تُشِير إِليه بيانات الوحي الاخرى ، منها : 1ـ بيان دعاء أَيام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة ، الوارد في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بِمَا نَطَقَ فيهم من مَشيئتِكَ ، فَجَعَلْتَهُم معادِنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتِكَ وَمَقَامَاتِكَ الَّتي لَا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهُمْ عبادُكَ وَخَلْقُكَ ... »(5). 2ـ بيانهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم : « لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ونحن نحن ، وهو نحن ونحن هو»(6). بخلاف سائر المخلوقات ـ منها : سائرأَنبياء أُولي العزم ، والأَوصياء ، والأَصفياء ، والأَولياء ، والملائكة المُقَرَّبين ، وروح القدس (حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة) ـ فإِنَّه مهما علا شأن ذواتها وأَسمآئها وصفاتها وأَفعالها ؛ إِذا قيست إِلى أَسمآء وصفات وأَفعال وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فهي متناهية ومحدودة ، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين غير المتناهي والمتناهي(7)، فالمتناهي دائماً إِذا قِيس إِلى غير المتناهي كان لا شيء وصفراً على جهة الشمال، وإِلَّا ـ أَي : لو جُعِلَ للمتناهي في قِبَال غير المتناهي قيمة ولو كانت بمقدارٍ مثقال ذرَّة ـ لاِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المتناهي وصارت متناهية ، وبطلان إِنقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل(8) خُلْفُ الفرض. وعليه : فكُلّ ما تتَّصف به جملة المخلوقات من مقامات وكمالات وفضائل بالقياس إِلى مقامات وكمالات وفضائل أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كالقطرة في بحر اللَّامتناهي ، والذَّرَّة في قفر اللَّامتناهي . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 173/ح38. (2) المصدر نفسه ، 26 : 12/ح2. (3) المصدر نفسه : 190 ـ 191/ح2. قرب الإِسناد : 144. (4) النمل : 44. (5) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (6) مصباح الهداية : 114. (7) لم تُعرف إِلى الآن نِسْبَة رياضيَّة أَو هندسيَّة أَو معرفيَّة بين المتناهي وغير المتناهي غير نِسبْة : أَنَّ المُتناهي آية لغير المتناهي. (8) هذا عطف على كلمة : (بطلان) ، فتكون العبارة كالتالي : (وإِلَّا اِنْقَلَبَت ماهيَّة غير المتناهي وصارت متناهية ، وهو خُلْفُ الفرض). وهذا دليل آخر على بطلان اِنْقِلاب الماهيَّة