/ الفَائِدَةُ : (105) /

21/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / طبقات تحمُّل علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ انَّ بعض ما أُعطي لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ أَمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إِلَّا من كتب اللَّـه في قلبه الإِيمان »(1). وبعضها الآخر لا يحتمله إِلَّا نبيٌّ مرسلٌ ، أَو ملكٌ مُقَرَّب ، أَو مؤمنٌ مُـمتحنٌ. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « إِنَّ حديث آل مُـحمَّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إِلَّا مَلَك مُقَرَّبٌ ، أَو نَبِيٌّ مرسل ، أَو عبد امتحن اللَّـه قلبه للإِيمان ... وإِنَّما الهالك : أَنْ يُحدَّث بشيءٍ منه لا يحتمله فيقول : واللَّـه ، ما كان هذا شيئاً ، والإِنكار هو الكفر »(2). 2ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن جابر بن يزيد ، قال : « ... يا جابر ، حديثنا صعب مستصعب ، أَمرد ، ذكوان ، وعر أَجرد ، لا يحتمله واللَّـه إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل ، أَو مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَو مؤمن مُمتحن ، فإذا ورد عليك يا جابر شيءٌ من أَمرنا فلان له قلبكَ فاحمد اللَّـه ، وإِنْ أَنكرته فردَّه إِلينا أَهل البيت ، ولا تقل : كيف جاء هذا ؟ وكيف كان ؟ وكيف هو ؟ فإنَّ هذا واللَّـه الشرك باللَّـه العظيم »(3). ودلالتها واضحة . وبعضها الثالث لا يحتمله لا نبيّ مرسل ـ كـ : النَّبيِّ إِبراهيم ـ ولا مَلَك مُقَرَّب ـ كـ : جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ ولا مؤمن ممتحن ـ كـ : سلمان رضوان اللَّـه عليه ـ إِلَّا مَنْ شاؤوا صلوات اللَّـه عليهم. فانظر : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي الصَّامت ، قال : « إِنَّ حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، ولا نبيٌّ مرسَلٌ ، ولا مؤمن مُـمْتَحن . قلتُ : فَمَنْ يحتملهُ جعلتُ فداك ؟ قال : مَنْ شئنا يا أَبا الصامت . قال أبو الصَّامت : فظننتُ أَن للَّـه عباداً هُم أفضل من هؤلاء الثلاثة »(4). وبعضها الرَّابع لا يحتمله إِلَّا هم صلوات اللَّـه عليهم. فلاحظ : بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي الصَّامت ، قال : « سمعتُ أَبا عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ يقول : إِنَّ من حديثنا مالا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيٌّ مُرسَل ، ولا عبد مؤمن . قلتُ : فَمَنْ يحتمله ؟ قال : نحن نحتمله »(5). وإِلى كُلِّ هذا أَشارت بيانات الوحي الاخرى ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... إنَّ عندنا سرّاً مِنْ سرِّ اللَّـه ، وعِلْماً من عِلْم اللَّـه لا يحتمله مَلَك مُقَرَّب ، ولا نبيّ مُرسَل ، ولا مؤمن أَمتحن اللَّـه قلبه للإِيمان ، واللَّـه ما كلَّف اللَّـه أَحَداً ذلك الحمل غيرنا ، ولا استعبد بذلك أَحداً غيرنا ، وإِنَّ عندنا سرّاً من سرِّ اللَّـه ، وعِلْماً من عِلْم اللَّـه أَمرنا اللَّـه بتبليغه ، فبلَّغنا عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، ما نجد له موضعاً ، ولا أَهلاً ولا حمَّالة يحملونه حتَّىٰ خلق اللَّـه لذلك أَقواماً ؛ خُلقوا من طينةٍ خُلق منها مُـحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وذرِّيَّته ، ومن نَوْرٍ خلق اللَّـه منه مُـحمَّداً وَذُرِّيَّته ، وصنعهم بفضل صنع رحمته الَّتي صنع منها مُـحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ فبَّلغناهم عن اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما أَمرنا بتبليغه ، فقبلوه واحتملوا ذلك ، وبلغهم ذاك عنَّا فقبلوه واحتملوه ، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إِلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أَنَّهم خُلقوا من هذا لَـمَا كانوا كذلك ، ولا واللَّـه ما احتملوه . ثُمَّ قال : إِنَّ اللَّـه خلق قوماً لجهنَّم والنَّار ؛ فأَمرنا أَنْ نُبَلِّغهم كما بلَّغناهم فاشمأزوا من ذلك ، ونفرت قلوبهم وردوه علينا ، ولم يحتملوه ، وكذبوا به ... فطبع اللَّـه على قلوبهم وأَنساهم ذلك ، ثُمَّ أَطلق اللَّـه لسانهم ببعض الحقِّ ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ؛ ليكون ذلك دفعاً عن أَوليائه وأَهل طاعته ، ولولا ذلك ما عُبد اللَّـه في أَرضه ، فأمرنا بالكفِّ عنهم ، والكتمان منهم ، فاكتموا مِـمَّن أَمر اللَّـه بالكفِّ عنهم ، واستروا عمَّن أَمر اللَّـه بالستر والكتمان منهم ، قال : ثُمَّ رفع يده وبكىٰ وقال : اللَّهُمَّ ، إِنَّ هؤلاء لشرذمةٍ قليلون فاجعل محياهم محيانا ، ومماتهم مماتنا ، ولا تُسَلِّط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ؛ فإِنَّكَ إِن فجعتنا بهم لم تُعبد أَبداً في أَرضك »(6). ودلالة الجميع واضحة . / نُكْتَةُ إِبتلاءات بعض الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ/ وهذا ما يُوضِّح : نُكْتَةُ وفلسفة تعرُّض بعض الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ السَّابقين إِلى الإِبتلاءات ، منهم : النَّبيّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فإِنَّه لَـمَّا عُرضت عليه بعض مقامات وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ توقَّف فعوقب بإِبتلائه المعروف وأُخرج من الجنَّة ، وعفي عنه بعد أَن رجع واستغفر وتاب ، لكنَّه لم يُجعل من أَنبياء أُولي العزم عَلَيْهِم السَّلاَمُ بسبب تَوَقُّفه. وهكذا النَّبيّ أَيوب عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فابتُلي بالمرض وسائر إِبتلاءاته إِلى أَنْ تاب فأدركته السعادة بأَمير المؤمنين وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وعلى هذا قس حال النَّبيّ يونس عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فأبتُلي بالحوت ، وحُبس في بطنه إِلى أَنْ تاب وقَبَل ولاية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وهذا ما تُشِير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، منضمّاً إِليه بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « إِنَّ اللَّـه تعالىٰ عرض ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ على أَهل السَّماوات وأَهل الأَرض فقبلوها ما خلا يونس بن متى ، فعاقبه اللَّـه وحبسه في بطن الحوت ؛ لإنكاره ولاية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ حتَّىٰ قبلها ». قال أبو يعقوب(7) : « فنادىٰ في الظلمات أَنْ لا إِلٰه إِلَّا أَنْتَ سبحانك إِنِّي كنت من الظالمين لإنكاري ولاية عَلِيّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ ». قال أبو عبد اللَّـه : فأنكرتُ الحديث فعرضته على عبداللَّـه بن سليمان المدنيّ فقال لي : « لا تجزع منه ؛ فإنَّ أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ خطب بنا بالكوفة ، فحمد اللَّـه تعالىٰ وأَثنىٰ عليه ، فقال في خطبته : [ فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون ]. فقام إِليه فلان بن فلان وقال : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِنَّا سمعنا اللَّـه(8) : [ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ]. فقال : أُقعد يا بكّار : [ فلولا إِنَّه كان من المُقِرِّين للبث ... ]إلى آخِر الآية »(9)»(10). 2ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، مُخاطِباً سلمان (رضوان اللَّـه عليه) : « ... يا سلمان ، أَنا الَّذي دُعيت الأُمم كُلِّها إِلى طاعتي فكفرت فعُذِّبت بالنَّار ... ». قال سلمان : ... وأَنتَ قصَّة أَيُّوب وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه . فقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « أتدري ما قصَّة أَيُّوب ، وسبب تغيُّر نعمة اللَّـه عليه ؟ قال : اللَّـه أعلم وأَنْتَ يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ . قال : لَـمَّا كان عند الانبعاث للنطق شَكَّ أَيُّوب في ملكي ، فقال : هذا خطب جليل وأَمر جسيم . قال اللَّـه (عزَّوجلّ) : يا أَيُّوب أَتَشكُّ في صورة أقمته أَنا ؟ إِنِّي ابتليتُ آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بأَمرة المؤمنين ، وأنت تقول : خطب جليل ، وأَمر جسيم ؟! فوعزَّتي لأُذيقنَّك من عذابي أَو تتوب إِلَيّ بالطَّاعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَدركته السَّعادة بي ؛ يعني : أَنَّه تاب وأذعن بالطَّاعة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وعلى ذرِّيَّته الطَّيبين عَلَيْهِم السَّلاَمُ »(11). 3ـ بيان تفسير الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وبيان نُكْتَةُ عدم جعل النَّبيّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ من أَنبياء أُولي العزم عَلَيْهِم السَّلاَمُ : « في قول اللَّـه (عزَّوجلَّ) : [ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ] (12) قال : عهد إِليه في مُـحمَّد والأَئمَّة من بعده فترك ، ولم يكن له عزم فيهم أَنَّهم هكذا ... »(13). 4ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وإِنَّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل منِّي ؟ فعلم الله (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه ، فناداه : ارفع رأسَكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إِلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً : لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحَمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة. فقال آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟ فقال (عزَّوجلَّ): من ذُرِّيَّتك ، وهم خير منكَ ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتكَ ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّماء والأَرض ، فإِيَّاك أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد فأُخرجكَ عن جواري . فنظر إِليهم بعين الحسد ، وتمنَّىٰ منزلتهم ، فتسلَّط الشَّيطان عليه حتَّىٰ أكل من الشَّجرة الَّتي نُهي عنها ، وتسلَّط على حوَّاء ؛ لنظرها إِلى فاطمة عَلَيْها السَّلاَمُ بعين الحسد حتَّىٰ أَكلت من الشَّجرة كما أَكل آدم ، فأخرجهما اللَّـه (عزَّوجلَّ) عن جنَّته ، وأَهبطهما عن جواره إِلى الأرض »(14). ودلالة الجميع واضحة . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 2 : 195/ح41. (2) المصدر نفسه : 189/ح21. (3) المصدر نفسه : 208/ح102. (4)المصدر نفسه : 192/ح34. (5) المصدر نفسه : 193/ح36. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 385 ـ 386/ح44. المحتضر : 154 ـ 155. (7) أَبو يعقوب ـ هذا ـ وأَبو عبداللَّـه الآتي ذكره من أَصحاب رواة وإسناد هذا الحديث الشريف. (8) في المصدر : (إِنَّا سمعنا اللَّـه يقول). (9) الصافات : 143. (10) بحار الأَنوار ، 26 : 333 ـ 334/ح16. تفسير فرات الكوفي : 94. (11) بحار الأَنوار ، 26 : 292 ـ 293/ح52. كنز جامع الفوائد : 264 ـ 265. وفيه : (أَنَّه تاب إِلى اللَّـه). (12) طٰه : 115. (13) بحار الأَنوار ، 11 : 35/ح31. علل الشرائع : 52. (14) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170