/ الفَائِدَةُ : (71) /
09/11/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الأَدب في باب الاِصطفاء اِنعكاس لحقائق ومقامات إِلٰهيَّة/ هناك قاعدة جارية في أَبْوَابِ الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة مُهمَّة جِدّاً، ينبغي صرف النظر إِليها . لكن غفل عنها الكثير، بل يستهينون بها ولم يدركوا مغزاها ، وهي : « أَنَّ الآداب في باب الاِصطفاء والواردة في بيانات الوحي ليست مُجاملات، بل اِنعكاسات لحقائق کاشفة عن مراتب وكمالات ومقامات إِلٰهيَّة . وعلى هذا قس الفضائل والكمالات في باب الاِصطفاء والواردة أَيْضاً في بيانات الوحي ». وعليه: فالآداب بين الباري (جَلَّ ثناؤه) والأَصفياء، أَو بين نفس الأَصفياء كاشف عن كمالات ومقامات إِلٰهيَّة يتمتَّع بها الأَصفياء. / تعامل أُمّ البنين وأَولادها مع الحسنين عَلَيْهِم السَّلاَمُ / ومنه يتَّضح : أَنَّ الأَدب الحاصل من أَبي الفضل العبَّاس وإِخوته ووالدتهم أُمّ البنين مع سيِّدا شباب أَهل الجنَّة صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما لدليل على تمتعهم بكمالات ومقامات إِلٰهيَّة. ومن ثَمَّ ذكر علماء المعقول في العلوم العقليَّة : « أَنَّ الآداب انعكاس لهيئات الأَخلاق ». وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ لغة الفضائل ولغة المدح والمديح الواردة في بيانات الوحي : أَحَد مناهج ولغات بيانات الوحي المعرفيَّة ، ومعناها : الُحجِّيَّة ، بخلاف لغة : (الذَّمّ)، فإِنَّها تعني في بيانات الوحي المعرفيَّة وفي لغة العقل العملي : عدم الحُجِّيَّة. ومنه يتَّضح : ما ورد في كثير من بيانات الوحي المعرفيَّة ، وفي مواطن وموارد عديدة الذَّامَّة والمعاتبة لأَفعال بعض زوجات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ كما ورد ذلك في سورة التَّحريم ، ومعناها : لغة من لغات المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ـ معلنة ومُثبتة : أَنَّ زوجات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا يتمتَّعن بالحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة ولا بالاِصطفاء الإِلٰهيّ . وعلى ضدِّه قس المدح والثناء الخاص والصَّادر في بيانات الوحي في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ كالوارد في سورة الدَّهر وسورة الحشر ـ ؛ فإِنَّه ليس كالمدح والثناء البشري ، ولا كالمدح والثناء بمقتضىٰ العادة أَو العرف ، وإِنَّما مدح وثناء إِلٰهيّ ناسوتي وناموسي إِلٰهيّ ، بُيِّنت فيه فضائل أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وكمالاتهم وكراماتهم ومقاماتهم الإِلٰهيَّة بصورة خاصَّة ، ومعناه : تَمتُّع أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بالحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة ، وبالاِصطفاء الإِلٰهيّ ، وبوجوب طاعتهم . وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ بيانات الوحي تُعَبِّر في موارد كثيرة عن حقائق المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة بلغات خاصَّة عديدة ، فبدل أَنْ يُبيِّن الباري (عَزَّ وَجَلَّ) أَحَد فضائل ومقامات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الإِلٰهيَّة ـ مثلاً ـ بلغة : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ](1)، يُبِيِّنُها بلسانٍ ولغةٍ أُخرىٰ ، كلغة : [وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ](2) ، أَو بلغة : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا](3) ، وسائر المدح والثَّناء الَّذي لم يخُصَّ الباري تعالىٰ به أَحَداً من هذه الأُمَّة إِلَّا أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وهذا التَّخصيص وهذه الموازين والحفاوة والكرامة والوجاهة الصَّادرة من ساحة القدس الإِلٰهيَّة ليست موازین وحفاوة وتكريم وتوجيه بشراً أَو عرفاً أَو عادةً جارية ، وإِنَّما موازين ربوبيَّة وناسوتيَّة وناموسيَّة إِلٰهيَّة قائمة على وفق قاعدة : « ليس بين اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) وأَحد قَرَابَة » . وعليه : فحينما يصحر الباري (جلَّ شأنه) بفضائل ويأتي بثناء ومدائح في حقِّ مخلوقٍ فمعناه : اِصطفاء إِلٰهيّ ؛ وحُجِّيَّة إِلٰهيَّة ؛ ووجوب طاعة ؛ ووجوب ولاية إِلٰهيَّة ، غاية الأَمر أَنَّ هناك فارقاً بين لغة بيانات الوحي الُمصرِّحة ، كـ : بیان قوله جلَّ قوله : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ] (4) ، ولغتها المُعرِّضة ، كـ : بيان قوله عزَّ من قائل : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] (5) ، فإِنَّ لغة الأُولىٰ لغة عقل نظري ، بخلاف لغة الثانية ؛ فإِنَّها لغة عقل عملي. إِذَنْ : لغة الكرامات والفضائل والمدائح الواردة في بيانات الوحي لغة حُجِّيَّة إِلٰهيَّة ، ولغة معارف وعقيدة إِلٰهيَّة ، وليست (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) لغة شعر أَو نثر، أَو مديح بترنُّم فيه مسحة خيال أَو مداعبات للخيال ، ومن ثَمَّ يؤكِّد الباري جلَّ قدسه كراراً ومراراً : أَنَّ ما ورد في قرآنه الكريم ليس شعر شاعر وما شاكله ، وإِنَّما هو عبارة عن كشَّاف عظيم للحقائق والواقعيَّات الكونيَّة المهولة الثَّابتة في عوالمها غير المتناهية . فانظر: بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ] (6). / برهانٌ وحيانيٌّ عظيمٌ يُثبت حُجِّيَّة واصطفاء الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها/ ومنه يتَّضح : برهاناً وحيانيّاً عظيماً على حُجِّيَّة الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها ؛ فإِنَّ الباري في قرآنه الكريم رَكَّز عليها في مواطن وموارد عديدة ، منها : 1ـ بیان قوله عزَّ قوله : [فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ](7). 2ـ بیان قوله عزَّ ذكره الوارد بخصوصها وبعلها وبنيها(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) : [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا] (8). وعلى هذا قس بيان آية التطهير وسائر بيانات الوحي الواردة بخصوصها وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّها براهين وحيانيَّة ، ولغة من لغات المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ، تُثبت : أَنَّ لفاطمة الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها حُجِّيَّة إِلٰهيَّة واِصطفاء إِلٰهيّ. وهذه نُكْتَةٌ مُهمَّةٌ في منظومة معارف وعقائد الوحي الإِلٰهيّ ، يلزم صرف النَّظر إِليها وإِلى هذه اللُّغة والتَّعامل معها. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء: 59 . (2) النجم: 7ـ9 . (3) الأَحزاب : 33 . (4) النساء : 59 . (5) الأَحزاب : 33 . (6) يس : 69 . (7) آل عمران : 61 . (8) الإِنسان : 8ـ10