/ الفَائِدَةُ : (41) /
02/11/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة انعكاسات لصفات الذَّات المُقدَّسة / / صفات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وشؤونهم تجلِّيات لصفات وشؤون الذَّات الإِلهيَّة / إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في خُطْبَةٍ في جامع البصرة : « معاشر المؤمنين والمسلمين : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) أَثنىٰ على نفسه فقال : « هو الأَوَّل ... والآخِر ... والظَّاهر ... والباطن ... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فأَنا الأَوَّل ، وَأَنا الآخر » ، إِلى آخِر كلامه ، فبكىٰ أَهل البصرة كلّهم ، وصلّوا عليه »(1). ثانياً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... وأَنا ... قلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغْفِر لكم خطاياكم وأَزيد المحسنين ... »(2). ثالثاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... ولولا مَا نَهَىٰ اللّٰـهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكيةِ المَرءِ نَفسَهُ ؛ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائلَ جَمَّةً ، تَعرِفُهَا قُلُوب المُؤمِنينَ ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعينَ ، فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ، فَإنَّا صَنَائعُ رَبِّنَا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ... »(3).(4) رابعاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر ... »(5). (6) خامساً : بيانهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « لنا مع اللّٰـه حالات : هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو »(7). سادساً : بيان أَبي جعفر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي حمزة ، قال : « سئلتُ أَبا جعفرعَلَيْهِ السَّلاَمُ عن قول اللّٰـه : [ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ] (8) ، قال : تفسيرها في بطن القرآن : عَلِيّ هو ربُّه في الولاية والطَّاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف »(9). سابعاً : بيان تفسيرهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لبيان قوله تعالىٰ : « [ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ] (10) ... : يرد إِلى أَمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ فيُعذِّبه عذاباً نكراً حتَّىٰ يقول : [ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ](11)... أَي : من شيعة أَبي تراب »(12). ثامناً : بيان النَّاحية المُقدَّسة : « ... ونحن صنائع ربُّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا »(13). تاسعاً : بيان دعاء أَيّام شهر رجب ، عن النَّاحية المُقدَّسة أَيضاً ، الوارد في حَقِّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصاعدة : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدكَ ، وآياتكَ ومقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ، فتقُها وَرَتقُها بيدِكَ ، بدؤها مِنكَ وعودُها إِلَيْكَ ... فبهم ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَن لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ... »(14). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة نظام عَالَم الخلقة والوجود والإِمكان على الإِطلاق قاطبة ، ووسائط الفيض الإِلٰهيّ الفاردة ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الحصريَّة ، ووجه اللّٰـه ، والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري والأَدنىٰ بين الخالق ـ المُسَمَّىٰ(15) ـ (جلَّ وتقدَّس) وبين جملة العوالم وطُرّ المخلوقات . وبالجملة : لَمَّا كانت طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة خالصة من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وانمحت لشدَّة خلوصها ماهيَّاتها وذواتها الممكنة ؛ فلم يُرَ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) ، وفنيت في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية أَنعكست فيها جميع صفات وأَسمآء وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُولوهيَّة ، لخروجها تخصُّصاً وموضوعاً ، فكما أَنَّ اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة هو : (اللّٰـه ، رحمٰن ، رحيم ، ملك ، قدوس ، سلام ، مؤمن ، مهيمن ، عزيز ، جبَّار ، مُتكبِّر ، خالق ، بارئ ، مصوُّر ، غفَّار ، قهَّار، وهَّاب ، رزَّاق ، فتَّاح ، عليم ، قابض ، باسط ، خافض ، رافع ، معز ، مذل ، سميع ، بصير ، لطيف ، خبير ، عظيم ، عَلِيّ ، مقيت ، رقيب ، مُجيب ، شهيد، حقٌّ ، قويٌّ ، متين ، محصي ، محي ، مميت ، حيّ ، قيُّوم ، واحد ، صمد ، قادر ، مقتدر ، أَوَّل ، آخر ، ظاهر ، باطن ، توَّاب ، منتقم ، عفو ، رؤوف ، غني ، مغني ، مانع ، ضار ، نافع ، هادي ، باقي ، بديع ، وارث) وهلمَّ جرّاً من سائر الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحُسنىٰ ، وموصوف بما يلائمها من الصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة كذلك طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة تتَّصف بهذه الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها ، لكن لا بالأَصالة ، بل بالتَّبع وبالتَّجَلِّي والظُّهور والإِفاضة ، كرماً وعطيَّة من الذَّات الإِلٰهيَّة المقدَّسة ، وتفعل أَفاعيلها بإِذن الواحد الأَحد (عزَّ ذكره). وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : « صور عارية من المواد ، عالية عن القُوَّة والإِستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وأَلقىٰ في هويَّتها مِثاله فأَظهر عنها أَفعاله ... »(16). نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والإِنعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان خطبة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ...»(17). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : [ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (18)، فإِنَّه لِشِدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي: الماء الغزير ـ انعكست فيه(19) جميع صفاتها(20) وأَسمائها وشؤونها ، فحَسِبَتْهُ ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة. ومنه يتَّضح : ما تقدَّم من بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قولهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... هو هو ، ونحن نحن ، وهو نحن ، ونحن هو» ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يكن هناك فارق بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وبين طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة من جهة الحكاية ـ لا من جهة التَّحَقُّق والواقع ـ كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ثناؤه) : (هو نحن ، ونحن هو)، لكنَّه لَـمَّا كان من جهة التَّحَقُّق والحقيقة والواقع ؛ وأَنَّ الحاكي غير المحكي صار : (هو هو ، ونحن نحن) ، فاللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) إِلٰه وخالق ومعبود ، وأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بجميع طبقاتهم منها الصَّاعدة مألوهين وعباد مخلوقين ، وصفاته (تعالىٰ ذكره) بالذَّات والأَصالة ، وصفاتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بالغير وبالتَّبع وحكاية ووجود ظلِّي لصفاته تعالىٰ ، وهو (جلَّ ذكره) غنيّ بالذَّات ، وهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِنْ كانوا أَغنياء عن سائر المخلوقات لكنَّهم فقراء ومحتاجين إِليه (علا ذكره). وعلى هذا قس بيان النَّاحية المُقدَّسة : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ ... بما نطق فيهم من مشيئتِكَ ، فجعلتهم ... آياتِكَ ومقاماتِكَ ... يعرفكَ بِها من عرفَكَ ، لا فرق بينَكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادكَ وخلقكَ ... ». ثانياً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « هو الأَوَّل ... والآخِر ... والظَّاهر ... والباطن ... سلوني قبل أَنْ تفقدوني ، فأَنا الأَوَّل ، وَأَنا الآخر ... » ؛ فإِنَّه لَـمَّا كان هناك اِتِّحَاد في الحكاية بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة انعكست ـ في هذه الطَّبقات ـ جميع أَسماء وصفات وشؤون الذَات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ واتَّصفت بأَسمآء وصفات وشؤون الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ وجهه) ؛ فكما هو : (الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن) كذلك طبقات حقائق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ فإِنَّه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بلحاظ تلك الطَّبقات الشَّريفة هو : (الأَوَّل ، والآخر ، والظَّاهر ، والباطن). وعلى هذا قس بيانه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الآخر : « ... وأَنَا ... قلب اللّٰـه وبابه الَّذي يؤتىٰ منه ، ادخلوا الباب سُجَّداً أَغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين ...» ؛ فإِنَّه بعدما انعكست كافَّة الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة إِلَّا الأُلوهيَّة في طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ لاسيما طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّاعدة كان الاسم الإِلٰهي : (الغفَّار) و(المحسن) بعض تلك الأَسمآء الإِلٰهيَّة المُنعكسة في تلك الطَّبقات ، ومن ثَمَّ مَنْ يُطيعه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يغفر له خطاياه ما تقدَّم منها وما تأَخر ويزيد المحسنين ، كُلُّ ذلك بإذن اللّٰـه (جلَّ قدسه) وبقوَّته وفضله ومدده وعطائه . فافهم ، وتأَمَّل جيِّداً. وبيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ المُفسِّر لبيان قوله عزَّ قوله : [وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا] قال: «تفسيرها في بطن القرآن : عَلِيّ هو ربُّه في الولاية والطَّاعة ، والرَّبُّ هو : الخالق الَّذي لا يوصف». وبيان تفسيرهم(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) لبيان قوله تعالىٰ : [أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا] «... : يرد إِلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فيُعذِّبه عذاباً نكراً حتَّىٰ يقول : [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا] أي : من شيعة أَبي تراب». فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة لاسيما طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّاعدة الاسم الإِلٰهي : (الرَّبّ) ؛ القاضي بإدارة شؤون عوالم الخلقة والمخلوقات غير المتناهية ، والاسم الإِلٰهي : (الخالق) و (شديد العقاب) ، ويفعلون (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ما يقتضيانه بحقِّ مَنْ يستحق كُلّ ذلك بـ : إِذن اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ وقوَّته وفضله ومدده وعطائه (تبارك اسمه). ثالثاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فَضْلِنَا ما شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ... لا تُسَمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا مَا شِئْتُم ؛ فإِنَّكم لَنْ تبلغوا مِنْ فضلنا كُنْه ما جعله اللّٰـه لنا ، ولا معشار العشر ... » ؛ فإِنَّ من ضمن الأَسمآء والصِّفات والشؤون الإِلٰهيَّة المُنعكسة في طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة : (عدم التناهي) ؛ فكما أَنَّ الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) غير متناهي من حيث : الذَّات والأَسمآء والصِّفات والأَفعال والشؤون ، ولا يُحاط به (جلَّ شأنه) ولا يُبلغ كُنْه ما فيه ولا نهايته كذلك تلك الطَّبقات الشَّريفة المُقدَّسة ؛ فمهما وُصِف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بلحاظ تلك الطَّبقات لا يبلغ الواصف كُنْه ما فيهم ولا معشار العشر ولا نهايته . ومنه يتَّضح : وجه الجمع بين هذا البيان الوحياني الشَّريف وما تقدَّمه من البيانين الوحيانيين المُفسِّرين لبيانات القرآن الكريم المُتقدِّمة ؛ فإِنَّ ذينك البيانين ناظرين إِلى الاسم الإِلٰهيّ : (الرَّبّ) بما هو اسم إِلٰهي تتَّصف به طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ لاسيما طبقات حقيقة أَمير المؤمنين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، بخلاف بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ هذا في قوله : « ... لا تجعلونا أَرباباً ... » فإِنَّه ناظر إِلى (الرَّبِّ) ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وعلا) أَي : الإِلٰه ؛ صاحب : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، فارتفع التنافي ؛ لعدم اِتِّحَاد الموضوع. رابعاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « فإِنَّا صنائعُ رَبِّنَا والنَّاس بعد صنائع لنا ... » ، وبيان النَّاحية المُقدَّسة : « ... ونحن صنائع ربِّنا ، والخلق بَعْدُ صنائعنا » ؛ فإِنَّه بعدما لم تكن هناك واسطة بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ؛ وطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة كان اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) هو الَّذي يتولَّىٰ شؤون تلك الطَّبقات وإِدارة أُمورها من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء وأَرزاق وما شاكل ذلك ، فكان هو (تبارك وتعالىٰ) : (الصَّانع لهم ، والمتولِّي لشؤونهم وأَحوالهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ). بخلاف جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المُتوسطة والنَّازلة : (نظام عَالَم الخلقة والإِمكان والوجود ، ووسائط الفيض الإِلٰهي الأَقدس التَّكوينيَّة الحصريَّة ، والعلل الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاعلة ـ كما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ـ ، والوسيلة الإِلٰهيَّة التَّكوينيَّة الفاردة ، ووجه اللّٰـه ، والباب والسَّبيل والسَّبب والحجاب والرباط الإِلٰهيّ التَّكويني الحصري الأَدنىٰ) بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ومُطلق العوالم وكافَّة المخلوقات بقَضِّها وقضيضها كان كُلُّ ما يصدر ـ ولو كان مثقال ذرَّة ولا أَصغر من ذلك ولا أَكبر ـ من الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة باتجاه جملة عوالم الخلقة وجميع المخلوقات من خلق وإِماتة وإِحياء وإِيحاء ، وتزريق المعارف والمعلومات والعلوم ، وأَرزاق ، ورحمة وعذاب وهلمَّ جرّاً من الفيوضات الإِلٰهيَّة وإدارة شؤونها لا يكون إِلَّا عن طريق هذه الطَّبقات والحقائق الحيَّة الشَّاعرة ، القابضة والباسطة والفاعلة بإذن اللّٰـه وقوَّته ومدده ؛ فكان من الطَّبيعي أَن يكون مُطلق عَالَم الإِمكان والوجود ؛ والخلائق وعوالمها صنائع لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردُّد ولا إِشكال ؛ فإِنَّ ما تفعله هذه الطَّبقات الصَّاعدة من حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ليس من باب : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات) ؛ فإِنَّ هذا من مختصَّات الذَات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وإِنَّما من باب : (ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، وهذا تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، رأس هرمها : (طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسِّطة والنَّازلة) ؛ فإِنَّها تفعل وتتصرَّف وتفيض طرّ الخير والوجود ، وكُلّ ما يتعلَّق بشؤون المخلوقات وعوالمها ، لكن بمشيئةٍ وإرادةٍ وبعطاءٍ ومددٍ من الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة ، فهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) لا يشاؤون إِلَّا ما شاء اللّٰـه ، ولا يريدون ولا يفعلون إِلَّا ما أَراد اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ شأنه). فتدبَّر جيِّداً. ويضاف إِليه : أَنَّ الخلق والإِماتة والإِحياء والإِيحاء وما شاكلها من الأَفعال الإِلٰهيَّة المُتعلِّقة بالمخلوقات تحتاج إِلى : محاذات وقرب ، وملامسة وملابسة ، ومباشر وتباشر ، والباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) منزَّه عن جميع ذلك بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة ؛ لاحتياجها إِلى حركة وقرب وبُعد. فانظر : بيانات الوحي الباهرة ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، في جوابه على سؤال الزنديق حين سأله : « ... فيُعَانِي الأَشْيَاءَ بنفسه ؟ قال أَبوعبداللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعاني الأَشياء بمباشرة ومُعَالَجةٍ ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخْلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمباشرةِ والمُعَالجَةِ ، وهُوَ مُتَعَالٍ نافِذُ الإِرَادَةِ والمَشيئَةِ ، فَعَّالٌ لِـمَا يَشاءُ»(21). ومن ثَمَّ أَوكَلَ (تعالىٰ ذكره) مَهامِّها وأُمورها ـ كـ : خلقها وإِحيائها وإِماتتها ، وما يتعلَّق بجميع أَحوالها وشؤونها وشراشرها ـ إِلى مخلوقاته المُكرَّمة ، رأس هرمها : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة ؛ فكانت يد اللّٰـه المبسوطة على العباد ، وقواه الفاعلة في مُطلق شؤون العوالم وسائر المخلوقات بإِذنٍ ومددٍ وعطاءٍ منه (جلَّ وتقدَّس) ، فلذا كانت طُرُّ المخلوقات : (صنائع لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ، من دون غلوّ ولا ارتياب ولا تردد ولا إِشكال. والفارق بين عطاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (تبارك وتعالىٰ) وأَفعاله ؛ وبين عطاء طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وأَفعالها هو : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) من الفارق بين : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات)، و(ما منه الوجود حكاية وبالغير) ، والأَوَّل من مختصَّات الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ليس إِلَّا ، والثَّاني وجود ظلِّي تتمتَّع به المخلوقات المكرَّمة ، وحينئذٍ لا غلوّ في البين بعدما كان الجميع منه (عظمت آلاؤه) ، كحال ما يقوم به (إسرافيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في درجات ومراتب الإِحياء النَّازلة ، وما يقوم به (عزرائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ وجنده) في درجات الإِماتة بطبقاتها النَّازلة ، وما يقوم به (روح القدس ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ) في درجات الإِيحاء المتوسِّطة ، وما يقوم به (جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في مراتب الإِيحاء النَّازلة ، وما يقوم به (ميكائيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في إِنزال الأَرزاق بطبقاتها النَّازلة على المخلوقات ، وما يقوم به (مالك عَلَيْهِ السَّلاَمُ وأَعوانه) من العذاب في جهنَّم بمراتبه النَّازلة ، وما يقوم به (رضوان عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من نعيم الجنان بدرجاته النَّازلة ، وهلَّم جرّاً ، فإِنَّ هذه الشؤون والأَفعال لا تكون إِلَّا بإِذن الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وبقوَّةٍ وعطاءٍ وفضلٍ وكرمٍ ومددٍ من اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ اسمه) ليس إِلَّا ، عبر طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وتتبعها حقائقها المتوسِّطة والنَّازلة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. مناقب آل أَبي طالب ، 1 : 512 ـ 514. (2) بحار الأَنوار ، 39 : 348/ح20. (3) المصدر نفسه ، 33 : 58/ح398. نهج البلاغة/باب : المختار من الكتب : 413/كتاب : (28). (4) قال صاحب البحار مُعَلِّقاً على عجز هذا المقطع : «هذا كلام مشتمل على أَسرار عجيبة من غرائب شأنهم الَّتي تعجز عنها العقول ...». وقال ابن أَبي الحديد في شرح عجز هذا المقطع ، 15: 194 : «هذا كلام عظيم ، عالٍ على الكلام ، ومعناه عالٍ على المعاني ...». (5) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (6) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ هذا البيان ثبت بالاستقراء اليسير ، وفي بعض المصادر الحديثيَّة : أَنَّ له إِثني عشر طريقاً. (7) مصباح الهداية : 114. (8) الفرقان : 55. (9) بحار الأَنوار ، 35 : 369 ـ 370/ح14. بصائر الدرجات : 21 ـ 22. (10) الكهف : 87. (11) النبأ : 40. (12) بحار الأَنوار ، 24 : 262 ـ 263/ح20. كنز الفوائد : 369. (13) بحار الأَنوار ، 53 : 178/ح9. غيبة الشَّيخ : 184 ـ 185. الإِحتجاج : 253. (14) بحار الأَنوار ، 95 : 393. ( 15) ينبغي الإِلتفات : أَنَّ استعمال الإِسم الإِلٰهيّ كـ : اسم (اللّٰـه) على نحوين ، فتارة يُطلق ويُراد به المُسَمَّىٰ ، وما وراء الإِسم الإِلٰهيّ ، أَي : الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُطلق ويُراد به نفس الإِسم الإِلٰهيّ ، وهو : مخلوق عظيم وخطير ومهول جِدّاً ، من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، يحكي الَّذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة من وجهٍ ، مهيمن على ما تحته من عوالم ومخلوقات ، ويتصرَّف فيها تصرُّف اللَّطيف في الأَغلظ ، فهو : « داخل فيها لكن لا بالمزاولة والممازجة ، وخارج عنها لكن لا بالمزايلة والمفارقة ». والاستعمال الأَوَّل هو الأَكثر إِنسباقاً إِلى الذهن ، وهو استعمال آلي وطريقي للوصول إِلى ما وراء حقيقته وواقعيَّته الشَّريفة ، والاستعمال الثَّاني موضوعي. ثُمَّ إِنَّه ينبغي الإِلتفات أَيضاً : أَنَّ الآليَّة والموضوعيَّة ليست في لفظ الإِسم الإِلٰهيّ المقدَّس ، ولا في معناه ، بل في ما وراء المعنىٰ من واقعيَّة وحقيقة مُقدَّسة ، فينظر إِلى تلك الواقعيَّة والحقيقة المُقدَّسة تارة بما هو آية وعلامة ؛ مشير وحاكي للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ بما هو هو كواقعيَّة وحقيقة ووجود مُقدَّس ، مخلوق خطير ومهول وعظيم جِدّاً من عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزَل ، والمُعبَّر عنه في بيانات الوحي بـ : عنوان : (عنده). فالتفت. (16) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (17) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (18) النمل : 44 . (19) مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته). و(نفسه) و(محكيِّه). (20) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاتها) و(أسمائها) و(شؤونها) : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير. (21) بحار الأَنوار ، 10 : 194 ـ 199/ح3. أُصول الكافي ، 1 : 59 ـ 61/ح6. التوحيد : 248 ـ 253