/ الفَائِدَةُ : (6 ) /

24/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / بحث في الأَسماء والصفات الإِلهيَّة، ومقامات وشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ / تفسير لبيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء»/ إِنَّ مُطلق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة مخلوقات مهولة(1) ، غير المسَمَّىٰ والموصوف بها ؛ (صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، داخلة في ما تحتها من جملة العوالم والمخلوقات(2) دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة عنها خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة ، ومُهيمنة عليها ، وتتصرَّف فيها تصرُّف الأَلطف. مثاله : اسم : (اللَّـه) ؛ فإنَّه مخلوق مهول ، مهيمن على ما دونه من جملة العوالم وطُرِّ المخلوقات ، داخل فيها ، لكن لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها ، لكن لا بالمفارقة والمزايلة ، وهو من مخلوقات عَالَم السرمد والأَزل والأَبد ؛ عَالَم الحضرة الربوبيَّة (3) ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، والمُعَبَّر عنه في بيانات الوحي بعنوان : (عنده) ، وهو غير المُسَمَّىٰ بـ : (اسم اللَّـه) ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فإِنَّه (تقدَّست أسماؤه وعظمت آلاؤه) وراء وفوق ذلك ، ومهيمن على سائر العوالم وكافَّة المخلوقات ، منها : (اسم اللَّـه) ، وداخل فيها وفيه دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها وعنه خروج اللطيف عن الأَغلظ ؛ لا بالمفارقة والمزايلة . وعلى هذا قس صفة : (الأُلوهيَّة) ؛ فإِنَّها مخلوق مهول من عَالَم السرمد والأَزل والأَبد ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة أَيضاً ، مهيمنة على ما دونها من مطلق العوالم وجميع المخلوقات هيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وهي غير الموصوف بها ؛ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة . إِذَنْ : اسم اللَّـه وصفته مخلوقان بنحو التَّجلِّي والاِشْتِقاق التَّكوينيّ للمُسَمَّىٰ والموصوف بهما ؛ صاحب : (الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة) ، وهو (جلَّ قدسه) وراء وفوق جملة عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مملوكة له ، ومهيمن عليها هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ(4). وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله عظمت آلاؤه : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](5). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّـه جـيء بـ : (لام الْـمُلك) ، الداخلة على : (هو) ـ (له) ـ ، والـمقصود منـه : الـمُسمَّىٰ (تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ) ؛ صاحب الـذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة الـمُقدَّسة(6) ، وهـو (عـزَّ ذكـره) مـالك لـجملة أَسمـائه وصفاتـه(7) ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ ، ومن البيِّن والواضح : أَنَّ المالك غير المملوك ، وما عدا المُسَمَّىٰ (سبحانه وتعالىٰ) ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ مخلوق من مخلوقاته ، وإِلَّا لكانت (والعياذ بالله تعالىٰ) آلهة . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... والاسم غير المُسَمَّىٰ ... لِلَّـه تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسماً ، فلو كان الاسم هو المُسَمَّىٰ لكان كُلُّ اسمٍ منها إِلٰها ... »(8). وعليه : تكون جميع الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلٰهيَّة ، وتجلِّيات وظهورات وآيات للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، يعود واقعها إِلى حروفٍ ، بل حرفٍ فاردٍ ، وهو : (اللَّام) ، أَي : لام المُلْك ، وأُضيفت إِلى أَعظم اسم إِلٰهي : (هو) ، وهو الجامع لجملة الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة . 2ـ بيانه جلَّت آلاؤه : [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](9). ودلالته قد اتَّضحت من سابقه . نعم هناك فارقٌ واحدٌ ، وهو إِضافة (اللام) ؛ فإِنَّها في هذا البيان الشريف أُضيفت لاسم الجلالة : (اللَّـه) ، بخلاف البيان السَّابق ؛ فإِنَّها أُضيفت للإسم الإِلٰهي : (هو) . 3ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِن اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) خلق اسماً بالحروف غير منعوت ، وباللَّفظ غَيرَ مُنْطَقٍ ، وبالشَّخصِ غَيْرَ مُـجَسَّدٍ ، وبالتَّشبيه غير موصوفٍ ... مُبَعَّدٌ عنه الحُدُودُ ، محجوبٌ عنه حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّم ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَستُورٍ ، فجعله كلمةً تامَّةً على أربعة أَجزاءٍ معاً ، ليس منها واحدٌ قبل الآخر ، فأظهَرَ منها ثلاثة أَسماءٍ ؛ لفاقةِ الخلقِ إِليها ، وحَجَبَ واحداً منها ، وهو الاسمُ المكنُونُ المُخزُونُ بهذه الأَسماء الثلاثة الَّتي ظَهَرَت(10) ، فالظاهِرُ هو : (اللَّـه ، وتبارك ، وسبحان)(11) ، ولكلِّ اسمٍ مِنْ هذه أَربعة أَركان، فذلك اثني عشر رُكناً ، ثُمَّ خلق لكلِّ ركنٍ منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إِليها ، (فهو الرحمٰن ، الرَّحيم ، الملك ، القدوس ...) فهذه الأَسماءُ وما كان من الأَسماء الحُسنىٰ حتَّىٰ تَتِمَّ ثلاثَ مائةٍ وستينَ اسماً فهي نسبةٌ لهذه الأَسماء الثلاثة ، وهذه الأَسماءُ الثلاثةُ أَركانٌ ، وَحَجَبَ الاسمَ الواحد المَكنُونَ المَخزُونَ بهذه الأَسماءِ الثلاثةِ ، وذلك قوله : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](12). 4 ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « اسم اللَّـه غير اللَّـه ... » (13). 5 ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... والاسمُ غيرُ المُسَمَّىٰ ... إِنَّ للَّـه تسعةً وتسعين اسماً ، فلو كان الاسمُ هو المُسَمَّىٰ لكان كُلُّ اسمٍ منها إِلٰهاً ، ولكنَّ اللَّـهَ معنىً يُدَلُّ عليه بهذه الأَسماء ، وكُلُّها غيْرُهُ ... » (14). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ الأَسمآء الإِلٰهيَّة ـ ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة ـ مخلوقات من عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، وجميعها غير المُسَمَّىٰ بها ؛ صاحب : الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وهو (تقدَّس ذكره) : فوقها ، ومهيمن عليها ، ومُمدِّها ، وغني عنها ، وهي مفتقرةٌ إِليه جلَّ قدسه ، ولا اِستقلاليَّة لها عنه ولو بمقدار مثال حبَّة من خردلٍ أَزلاً وأَبداً ، فحقيقتها نظير : حقيقة الحرف ؛ والصورة المرآتيَّة ؛ فإِنَّها قائمة بغيرها ، وصاحبة وجود طفيليّ ، كسائر المخلوقات من هذه الجهة . ثُمَّ إِنَّه ينبغي الاِلتفات : أَنَّ لفظ وعنوان : (المعنىٰ) يُستعمل ويُطلق ويُراد به : تارة : الصُّورة الذهنيَّة المقصودة . وأُخرىٰ : الحقيقة والواقعيَّة الخارجيَّة المقصودة ، من باب : عنيت الشيء ، أَي : قصدَّته . وهذا النحو من الاِستعمال هو مراد الإِمام صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « ولكنَّ اللَّـه » أَي : المُسَمَّىٰ « معنىً » أَي : حقيقة وواقعيَّة خارجيَّة يُعنىٰ ويُقصد ، و « يُدَلُّ عليه بهذه الأَسماء » . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قبل الدخول في صميم البحث يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ مبحث الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة دورة معارف ، بل من أَعقد معارف بيانات الوحي . الثَّاني : أَنَّ كثير ما يتخيَّله المخلوق من شُبهات وتساؤلات وإِشكالات على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ناشئة من عدم معرفته بباب الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ، وهو باب خطير وحسَّاس ومهمّ جِدّاً في توطيد صلة المخلوق بخالقه (جلَّ قدسه) ، وله تأثير بالغ في المعرفة الإِلٰهيَّة ، فاليهود ـ مثلاً ـ مع اِعتقادهم بالله (عَزَّ وَجَلَّ) ، لكن نتيجة عدم وعيهم ومعرفتهم بالذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ، والأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة اَعتقدوا (والعياذ بالله تعالىٰ) ببخله (سبحانه وتعالىٰ) وقالوا : [يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] [المائدة : 64] . الثَّالث : أَنَّ حقيقة الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، بل وكذا حقيقة القرآن الكريم والمعارف الإِلٰهيَّة لاتكمن بوجوداتها الاِعتباريَّة ـ الصوتيَّة والكتبيَّة ـ بل ولا بمعانيها الذهنية ، ولا ببحور معانيها ، فإِنَّ هذه الوجودات وإِنْ كانت لها قدسية وشعشعانيَّة ونورانيَّة عظيمة جِدّاً ، ولها آثار طلسميَّة عجيبة وغريبة وردت في بيانات الوحي ، لكن حقائقها تكمن في عوالم وبحور صاعدة ، تُهيمن على ما دونها ، وتتصرَّف بها تصرُّف اللطيف في الأَغلظ . وبالجملة : هناك قاعدة منهجيَّة مطَّردة ، وردت في بيانات الوحي المتواترة ، تأتي في كافَّة أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة ، لا يمكن للباحث في أَبواب المعارف ، وفي جميع خطاه البحثيَّة تخطِّيها والإِعراض أَو الغفلة عنها أَو نسيانها أَو تناسيها ، وهي : « أَنَّ كُلَّ عنوانٍ معرفيٍّ ورد في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة لابُدَّ أَن تكون له عينيَّة تَحَقُّقيَّة ، وحقيقة خارجيَّة تكوينيَّة ثابتة في العوالم الصَّاعدة » . ومِنْ ثَمَّ لا يبحث أَصحاب المعارف عن الأَصوات ، ولا عن النقوش ؛ لكونها أُموراً اِعتباريَّة ، بل ولا عن الوجودات الذهنيَّة فحسب ؛ لأَنَّها ليست هي الغاية ، وإِنَّما يبحثون عن الواقعيَّات الخارجيَّة والعينيَّات التَّحقُّقِيَّة . وإِلى هذا تشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... هو الرَّبُّ ، وهو المعبودُ وهو اللَّـهُ ، وليس قولي : اللَّـه إِثبات هذه الحروف : ألِفٍ ولآمٍ وهَاءٍ ، ولا راءٍ ، ولا باءٍ ، ولكن ارْجِعْ إِلى مَعْنَىٰ ، وشيءٍ خالق الأَشياء وصانِعِهَا ، ونعت هذه الحروف ، وهو المعْنَىٰ ، سُمِّيَ به اللَّـهُ والرَّحْمٰنُ والرَّحيم والعزيز ، وأَشباه ذلك من أَسمائه ، وهو المعبودُ جلَّ وعزَّ» . أُصول الكافي، 1: 60/ح6. وهذا بمثابة جرس وإِيقاظ علمي ، وصحوة علميَّة تُوهِّج أَنوار البصيرة . إِذَنْ : أَبواب المعارف قائمة على الحقائق التَّكوينيَّة ، فبيئتها وموضوعها : (الحقائق). بخلاف أَبواب فقه الفروع ؛ فإِنَّها قائمة على الوجودات الرَّمزيَّة الاِعتباريَّة في دار الدُّنيا . وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ موضوع فقه الفروع هو : (الشَّريعة) ، والمراد منها : مبدأ الإِنطلاق ، وهو يتحقَّق بالاِعتبار . ثُمَّ إِنَّ الحقائق على مراتب وطبقات ودرجات جليَّة وخفيَّة ، والجليَّة كالخفيَّة على مراتب وطبقات ودرجات غير متناهية ، بل وعلى أَلوان وأَثواب وأَنماط وأَنواع وأُطُر ولغات . وعليه : فلا يكفي المخلوق ـ لا سيما الباحث ـ التَّعَرُّف على طبقة منها ، بل لا بُدَّ أَنْ يسير سيراً غير متناهٍ ، دؤوبٍ ودائمٍ . ومِنْ ثَمَّ كانت جملة العلوم لغات للحقيقة ، فلذا يمكن إِقامة البراهين والبيانات العلميَّة على المعارف الحقَّة الإِلٰهيَّة ـ كالواردة في أَبواب : التَّوحيد ، والنُّبُوَّة ، والإِمامة ، والمعاد ـ في كُلِّ علمٍ من العلوم وإِنْ كانت علوم تجريبيَّة ؛ فيمكن البرهنة على المعارف الحقَّة بلغة علم : الفيزياء ، والكيمياء ، وعلم : الاِجتماع ، والقانون والإِدارة وهلمَّ جرّاً . وهذا ما يوضِّح : نكتة وفلسفة تعدُّد معاجز الأَنبياء عَلَيْهم السَّلاَمُ ؛ فإِنَّ البرهان بعدما كان لمعان غيب فلا يمكن أَنْ يكون مختصّاً بالبرهان العقلي ـ خلافاً لمنهج الفلاسفة والمُتكلِّمين ـ بل يمكن إِقامته بالحسِّ والخيال وسائر العلوم والفنون وقوىٰ النَّفس ، ومن ثَمَّ نظرة السحرة للمعان غيب القدرة الإِلٰهيَّة في فنِّ تبديل عصا النَّبيّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الغيبي دعتهم أَنْ يكونوا أَوَّل المؤمنين ؛ مع أَنَّه برهان من عَالَم الفنّ والخيال . إِذِنْ : الوصول إلى الحقيقة لا ينحصر في نمط مُعَيَّن ، بل له أَنماط وأَلوان وأَنواع وطبقات مُختلفة . الَّرابع : أَنَّ مطلق الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ مخلوقات إِلٰهيَّة ـ كما تقدَّم ـ ، لكن ليس لها حدود وتناهي وحدوث ولون خلقي ، وإِنَّما حدود وتناهي وحدوث في الحُجب والسدنة الربوبيَّة ؛ فإِنَّ اسم الرحمٰن غير اسم الرَّحيم ، وهما غير اسم القادر ، وهذه الثلاثة غير اسم الأَوَّل ، وهذه الأَربعة غير اسم الآخِر ، وهلمَّ جرّاً . وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّه حينما تقول : (رحمٰن) لا تستغني بوصفه عن اسم (الرَّحيم) ؛ فكمال الرحمٰن كاسمٍ ووصفٍ لا ينطوي على كمال الرَّحيم . وعندما تقول : (أَحد) و (واحد) فكمال كُلِّ واحدٍ منهما لا ينطوي على كمال الآخر ، بل ولا ينطوي على كمال سائر الأَسماء الإِلٰهيَّة ؛ كـ : اسم : (العَالِم) و(القادر) . وهذه حدود ونهايات ومغايرة وإِنْ لم تكن حدود ونهايات ومغايرة خلقيَّة ؛ لكنَّها كاشفة عن حدوث وتناهي خفيٍّ ؛ وحدود ومغايرة خفيَّة ؛ مُنزَّه عنها الباري ـ المُسمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) . إِذَنْ : مُطلَق الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ـ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة ـ وإِنْ كانت غير محدودة وغير متناهية بلحاظ حقائقها وما تحتها من جملة العوالم وسائر المخلوقات ، لكنَّه إِذا قوبل بعضها بالآخر كانت محدودة ومتناهية ، فالاسم الإِلٰهي (الأَوَّل) وإِنْ كان غير محدودٍ وغير متناهٍ بلحاظ حقيقته ، لكنَّه إِذا قوبل بالاسم الإِلٰهي (الآخِر) صار محدوداً ومتناهياً ، لكن هذه ليست حدود وتناهي خلقي ، وإِنَّما حدود وتناهي الشؤون الإِلٰهيَّة . ويُعبِّر أَهل المعرفة عن هذه القضيَّة بـ : « دولة الأَسماء » ؛ فإِنَّ لكلِّ اسمٍ إِلٰهيٍّ دولته الخاصَّة به . وهذا التعبير مُستفاد من بيانات الوحي الإِلٰهي ، منها : 1ـ بيان قوله تعالىٰ : [ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن] [الرحمٰن: 29]. 2ـ بيان دعاء الإِفتتاح للحُجَّة ابن الحسن عجَّل الله تعالىٰ فرجه : « ... وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ ... » . بحار الأَنوار، 94: 337. ومعناه : أَنَّ كمال الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة أَعظم وفوق هذه الشؤون والأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة . الخامس : أَنَّ لكثير من الأُمور وجودين : أَحدهما : حقيقي ، والآخر : مجازي عقلي ، والمجاز العقلي يدور مدار كيفيَّة الاِستعمال . ثُمَّ إِنَّ الباحث في أَبواب المعارف لا يهمُّه كثيراً التَّمييز بين الحقيقة اللغويَّة والمجاز العقلي ؛ لأَنَّ دأَب الباحث في أَبواب المعارف التحرِّي عن الحقائق العقليَّة والتَّكوينيَّة ، دون المجازات العقليَّة . إِذَنْ : البحث في علوم المعارف ينصبُّ أَوَّلاً وبالذَّات على الحقائق العقليَّة ، خلافاً لعلم (الأَخلاق) وعلم (النَّفس والروح) ؛ فإِنَّهما علمان اِعتباريَّان ، نعم يُبحث في نهاياتهما عن الحقائق التَّكوينيَّة . وخلافاً لعلم (السياسة) وعلم (الاِجتماع) والعلوم (الإِنسانيَّة) ؛ فإِنَّها علوم اِعتباريَّة . لكن : هذا لا يعني عدم تأثير الاِعتباريَّات في الحقائق التَّكوينيَّة ، لا سيما على المبنىٰ المختار القائل : أَنَّ الاِعتبار الصّادق : إِدراك تكوينيّ مبهم ومن بُعد ، في قبال العلوم التَّكوينيَّة التَّفصيليَّة ؛ فإِنَّها تفصيل للحقائق . وعليه : فتندرج ـ بشكل واضح ـ العلوم الاِعتباريَّة في بحوث الحقائق التَّكوينيَّة . السَّادس : أَنَّ استبداد الباحث في أَبواب المعارف والعقائد بالأَدلَّة العقليَّة من دون الاِستعانة ببيانات الوحي الإِلٰهي يجعله في عرضة ومعرض الهلاك والخطر الدائم ؛ فإِنَّ العقل وقدرته لَـمَّا كانا محدودين بلحاظ ما فوقهما فقد تَـجُـرَّاه إِلى اِعتقادات فاسدة وكاسدة وباطلة يخلد بسببها (والعياذ بالله تعالىٰ) في نار جهنَّم وبئس المصير . (2) المستفاد من بيانات الوحي: عدم انحصار المخلوقات الإِلٰهيَّة (الحيَّة الشاعرة ، الناطقة العاقلة) بالمخلوقات الثلاثة ـ الإِنس والجنّ والملائكة ـ بل هي إِلى ما شاء الله تعالىٰ ، موجودة في السماوات والأَرضين ، وفي فضائنا ونشأتنا هذه ، مخفيَّة على كثير من المخلوقات ، منها الطبقات النَّازلة من الملائكة . (3) معنىٰ الحضرة الرُّبوبيَّة : ذلك العَالَم الحاوي على مخلوقات مُكرَّمة ، لا يُشمُّ منها رائحة المخلوقيَّة ، والخالصة من شائبة الأَنا والفرعونيَّة ، والفانية فناء حكاية في ذيها : (الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) . ومخلوقات هذا العالم : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، والَّتي لا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ... ) ، بل عكوسات وتجليَّات ربوبيَّة . (4) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ الخلقة في العوالم الصَّاعدة ؛ أَي : عَالَم الـمُجرَّدات التامَّة تختلف عن العوالم النَّازلة ؛ أَي : العوالم الجسمانيَّة ؛ فإِنَّها في تلك العوالم لا تكون إِلَّا بنحو الظهور والتجلِّي والإِشتقاق . نظيره : الصورة المرآتيَّة . (5) الإسراء: 110. (6) يَجْدُرُ بالباحث وغيره لاسيما في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة ، وتفادياً من حصول الخلط في المباحث والمعارف الاِلتفات إِلى إِطلاقات واستعمالات الأَسماء الإِلٰهيَّة الواردة في بيانات الوحي ؛ فإِنَّه تارة يُراد منها : المُسَمَّىٰ (جلَّ شأنه) صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وأُخرىٰ يُراد منها : الاسم الإِلٰهي . وهو مخلوق مهول ، وتشخيص ذلك يعتمد على القرائن ، كقرينة السياق . (7) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ هذا البيان الشَّريف وإِن ذكر الأَسماء الإِلٰهيَّة فحسب ، لكنَّه شامل أَيضاً لسائر الصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ بدليل : أَنَّه لَـمَّا كانت الصفات الإِلٰهيَّة وما يسانخها من الأَسماء الإِلٰهيَّة مُتفقين حقيقة ، ومختلفين بالاِعتبار واللحاظ الذهني ـ كحال المصدر واسمه على رأي مشهور الأُصوليِّين ـ كما أَصحرت بذلك بيانات الوحي ، وسيأتي (إِنْ شاء الله تعالىٰ) عرضها في محلِّها كان ذكر أَحدهما مغنٍ عن الآخر ، ومن باب : (إِذا اِجْتَمعا اِفْتَرقا ، وإِذا اِفْتَرقا اِتَّفقا) . (8) أُصول الكافي ، 1: 38 ـ باب: معاني الأَسماء واشتقاقها: 80/ح2. (9) الأعراف : 180. (10) في الكافي : (فهذه الأَسماء الَّتي ظهرت). (11) في التوحيد المطبوع والكافي : (هو الله تبارك وتعالىٰ). (12) بحار الأَنوار، 4: 166/ح8. أُصول الكافي، 1: 78/ح1. مع اختلاف يسير. (13) بحار الأَنوار: 160/ح6. (14) أُصول الكافي، 1: 62/ح2