/ الفَائِدَةُ : (34) /

20/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / لإِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَيادٍ خطيرة ومهولة، منها : رُوحُ القُدُس / إِنَّ (روح القدس)(1) أَو (الرُّوح الأَمري) ، وهو حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة إِحْدَى أَرواح أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وأياديهم وآلِيَّاتهم الخطيرة والمهولة التي مَتَّعَتهم بها يد الساحة . فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وصار محمَّد نبيّاً مرسلاً وصرتُ أَنا صاحب أَمر النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، قال اللَّـه عزَّوجلَّ : [يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ](2)، وهو : روح اللَّـه لا يعطيه ولا يلقي هذا الرُّوح إِلَّا على ملك مُقرَّب أَو نبيٍّ مرسل أو وصيٍّ مُنتجب ، فمَنْ أَعطاه اللَّـه هذا الرُّوح فقد أَبانه من النَّاس ، وفوَّض إِليه القدرة ، وأَحيىٰ الموتىٰ وعلم بما كان وما يكون ، وسار من المشرق إِلى المغرب ، ومن المغرب إِلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب ، وعلم ما في السَّماوات والأَرض ...»(3). ثانياً : بيان الإِمام عليُّ بن الحسين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهما ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «... يا جابر ، أَو تدري ما المعرفة ؟ المعرفة إِثبات التوحيد أَوَّلاً ثُمَّ معرفة المعاني ثانياً ... وهو قوله تعالىٰ : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](4)، وتلا أَيضاً : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ](5)... وأَمَّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته ... ونحن إذا شئنا شاء اللَّـه ، وإِذا أَردنا أَراد اللَّـه ... فَمَنْ أَنكر شيئاً ورده فقد ردَّ على اللَّـه جلَّ اسمه ، وكفر بآياته وأَنبيائه ورسله ... قلتُ : يابن رسول اللَّـه ، ومن المُقصِّر ؟ قال : الَّذين قصَّروا في معرفة الأَئمَّة ، وعن معرفة ما فرض اللَّـه عليهم من أَمره وروحه . قلتُ : يا سيِّدي ، وما معرفة روحه ؟ قال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَن يعرف كلّ مَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بالرُّوح فقد فوَّض إِليه أَمره يخلق بإذنه ، ويحيي بإذنه ، ويعلم الغير ما في الضمائر ، ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ وذلك أَنَّ هذا الرُّوح من أَمر اللَّـه تعالىٰ ، فَمَنْ خصَّه اللَّـه تعالىٰ بهذا الرُّوح فهذا كامل غير ناقص ، يفعل ما يشاء بإِذن اللَّـه ، يسير من المشرق إِلى المغرب في لحظة واحدة ، يعرج به إِلى السَّماء وينزل به إِلى الأَرض ويفعل ما شاء وأَراد . قلتُ : يا سَيِّدي ، أَوجدني بيان هذا الرُّوح من كتاب اللَّـه تعالىٰ ، وإِنَّه من أَمر خصَّه اللَّـه تعالىٰ بمُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، قال : نعم ، اقرأ هذه الآية : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا](6)، وقوله تعالىٰ : [أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ](7)...»(8). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... فينا روح رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ »(9). ودلالة الجميع واضحة ولا غبار عليها ؛ وأَنَّ أَحد الحقائق والفصول والأَركان والأُسس المأخوذة في ماهيَّة وحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة : (روح القدس) ، أَي : الرُّوح الأَمري ، وهو : حقيقة القرآن ومرتبته الصَّاعدة. وهذا ما يُشِير إِليه بيان الإِمام موسى بن جعفر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهما بقوله : « ... وإِنَّ اللَّـه يقول في كتابه : [وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى](10)، وقد ورثنا نحن هذا القرآن الَّذي فيه ما تُسيَّر به الجبال ، وتُقَطَّع به البلدان ، وتُحيىٰ به الموتىٰ ...»(11). ومعناه : أَنَّ ارتباط الإِمام صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الرُّوحي والغيبي بالسَّاحة الإِلٰهيَّة حبل غيبيٌّ إِبداعيٌّ تكوينيٌّ ؛ ممدود بين أَعماق الغيب إلى بدنه الشريف . وإِلى هذا أَشار بيان حديث الثقلين(12)، الوارد عن سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : «إِنِّي قد تركت فيكم الثقلين ما إِنْ تَمَسَّكْتُم بهما لن تضلُّوا بعدي ، وأَحدهما أَكبر من الآخر : كتاب اللَّـه حبل ممدود من السَّماء إِلى الأَرض ، وعترتي أَهل بيتي ، أَلَا وإِنَّهما لن يفترقا حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض»(13). بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ كما تقدَّم ـ هو: (روح القدس) ، وقد تقدَّم من بيانات الوحي : أَنَّه أَحد أَرواح أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فيكون الحبل الَّذي أَشار إِليه بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هذا ممدود من السَّماء وأَعماق عَالَم الغيب إِلى بدن الإِمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ . وعليه : فالاثنينيَّة والتعدُّد الحاصل بين أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ والقرآن الكريم هذا في حالة النزول ، لكنَّهما يصيرا شيئاً فارداً وحقيقة واحدة ـ وهو: (روح القدس ، أَي : الرُّوح الأَمري) ـ في المراتب الصَّاعدة ؛ ومن ثَمَّ صار الإِمام من أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قرآناً ناطقاً. بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ المراد من معنىٰ كلمة : (حتَّىٰ) الواردة في بيان قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : «حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض» كسائرالمعارف الإِلٰهيَّة ليست الغاية والنهاية ، بل الوصول والإِستمرار. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله تعالىٰ : [لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ](14). أَي : يرو العذاب الأَليم ويستمر في حقِّهم. 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ](15)، فإِنَّه وإِن فُسِّر (اليقين) في هذا البيان الشَّريف بـ : (الموت) فإِنَّ العبادة تبقىٰ واجبة ولازمة على المخلوق اتِّجاه خالقه ومُستمرَّة بعد الموت ولا نهاية لها ؛ لأَنَّ الدِّين والمداينة والعبادة عبارة عن العلاقة بين الخالق ـ المُسمَّىٰ ـ تقدَّس ذكره والمخلوق ، وهذه العلاقة تبقىٰ مستمرَّة ولا نهاية لها مع جملة المخلوقات وعبر كافَّة عوالم الخِلْقَة . هكذا حال بيان قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « وإِنَّهما ـ أَي : القرآن الكريم بطبقته وحقيقته الصَّاعدة ، والعترة الطَّاهرة سائرأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ لن يفترقا حتَّىٰ يردا عَلَيَّ الحوض» ؛ فإِنَّ هذا التقارن والتَّلازم ، بل الإِستلزام يبقىٰ حين الحوض وبعده ، ويستمر إِلى ما لا نهاية له. والنُّكْتَةُ : ما تقدَّم ؛ من أَنَّ (روح القدس ـ أَي : الرُّوح الأَمري ـ) هو أَحد أَرواح أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ولا تفارقهم أَبداً . فالتفت إِلى هذه النُّتْف المعرفيَّة والعلميَّة واغتنم تربت يداك. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه يطلق البعض خطأً واشتباهاً عنوان : (روح القدس) على جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، لكنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة : أَنَّه عنوان يُطلق على حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ، والَّتي يُطلق عليها أَيضاً عنوان : (الروح الأَمري). نعم ، جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُطلق عليه في بيانات الوحي عنوان : (الروح الأَمين). ثُمَّ إِنَّ الثابت في بيانات الوحي المعرفيَّة ، منها : بيان قوله جلَّ قوله : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى : 52] ، أَنَّ روح القدس شريحة وشعاع يسير من أَرواح سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وجبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ وإِنْ كان ملكاً عظيماً ، وقد وصفه الباري تقدَّس اسمه في كتابه الكريم بأَوصاف عظيمة ، منها : ما ورد في بيان قوله تعالىٰ : [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير : 19 ـ 21] ، لكنَّه إِذ قيس إِلى (روح القدس) ـ حقيقة القرآن الكريم الصَّاعدة ـ فهو ـ جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ قطرة في بحره ـ روح القدس ـ . وهو ـ روح القدس ـ ليس إِلَّا قطرة في بحور حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائرأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الزخَّارة الطمطامة المُتلاطمة. وقد مرَّ وسيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) مزيد بيان وأَدلَّة على جميع ذلك. وهذه النُّتْف والحقائق المعرفيَّة لو لم يُبيِّنها أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ الَّذي يشمُّها وترد على خاطره. (2) غافر : 15. (3) بحار الأَنوار ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (4) الكهف : 109. (5) لقمان : 27. (6) الشورى : 52. (7) المجادلة : 22. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (9) المصدر نفسه ، 25 : 62 ـ 63/ح41. بصائر الدرجات : 136. (10) الرعد : 31. (11) بحار الأَنوار ، 14 : 112 ـ 113/ح4. أُصول الكافي ، 1: 226. (12)يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ مفاد بيان حديث الثقلين في الأَصل قرآنيّ وفي عِدَّة سور ، كما ذكرت ذلك بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . (13) بحار الأَنوار ، 23 : 106/ح7. (14) الشعراء : 201. (15) الحجر : 99