/ الفَائِدَةُ : (16) /
18/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الإِمامة الإِلٰهيَّة تجلِّي للتَّوحيد في مقام أَفعال اللّٰـه وحاكميَّته وتطبيق أَحكامه/ / الإِمامة الإِلٰهيَّة بعثة إِلٰهيَّة/ إِنَّ حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة تجلِّي للتَّوحيد والأَحديَّة والواحديَّة في مقام الأَفعال الإِلٰهيَّة وولاية اللّٰـه وحاكميَّته ، وفي مقام تطبيق الأَحكام الإِلٰهيَّة ؛ وأَنَّ الولاية والحاكميَّة والطَّاعة لا تكون إِلَّا للّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره). وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها : بيان قوله تعالىٰ : [إِنِ الْـحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ] (1). فإِنَّه لَـمَّا قام الأَنبياء والرُّسل بإِيصال الأَحكام الإِلٰهيَّة إِلى المخلوقات أَقتضت الضرورة الإِلٰهيَّة إِلى مَنْ يُطبِّقَها ويعرف بواطن حقائقها ليتوافق ظاهرها مع باطنها؛ كيما يصل المخلوق إِلى الفرد الكامل والمدينة إِلى المدينة الفاضلة ؛ فَانْتَخَبَت ساحة القدس الإِلٰهيَّة نُخْبَة من كُمَّل المخلوقات ، وبُعِثُوا أَئِمَّة ليقوموا بهذا الدور. إِذَنْ : الإِمامة الإِلٰهيَّة بعثة إِلٰهيَّة . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بیان قوله جلَّ قوله : [وَقَالَ لَـهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا] (2). ودلالته واضحة بعد الاِلتفات إِلى أَنَّ عنوان (المُلْك) الوارد في هذا البيان الشَّريف وما شاكله أَحد عناوين الإِمامة الإِلٰهيَّة . / عَالَم الرَّجعة ضرورة إِلٰهيَّة لِاسْتِيعَاب دين الإِسلام وعلومه ومعارفه/ وهكذا يتَّضح : عَالَم آخرة الدُّنيا (الرَّجعة) ؛ فإِنَّ دين الإِسلام وتشريعاته وأَحكامه وعلومه ومعارفه وعقائده لَـمَّا كانت من أَفعال الباري (العزيز الجبَّار) ؛ كانت غير متناهية ، وفعلها متيناً وغير متناهٍ أَيضاً . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان قوله(عَزَّ وَجَلَّ) ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ] (3). 2ـ إِطلاق بيان وصيَّة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «يا عَلِيّ ، إِنَّ هذا الدِّين متين فأَوْغِلْ فيه برفق ...» (4). وحيث لا يُمكن لعَالَم الدُّنيا الأُولىٰ اِسْتِيعَابه واِسْتِيعَاب علومه ومعارفه اِقْتَضَت الضَّرورة الإِلٰهيَّة إِلى عَالَمٍ آخر يرتبط بهذه النَّشْأة الأَرضيَّة ؛ أَطول عمراً، وأَشَدُّ وأَعظم قوَّة وهولاً ، يرجع فيه قادة وأَئِمَّة وأَولياء هذه النَّشْأة الأَرضيَّة لإِكمال وإِتمام ما اُلْقِي عليهم من مَهَامٍّ ومسؤوليَّات إِلٰهيَّة ، وذلك العَالَم هو (عَالَم آخرة الدُّنيا) ، أَي : عَالَم الرَّجعة ، عَالَم حكومة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كما هو نبيٌّ ورسول هو إِمام أَيضاً ، بل هو إِمام الأَئِمَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وإِلى كُلِّ هذا تُشير بيانات الوحي ، فلاحظ : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وأَخذ ميثاق الأَنبياء بالإِيمان والنصرة لنا ، وذلك قوله (عَزَّ وَجَلَّ) : [وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَـمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِـمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ] (5) يعني : لتؤمننَّ بِمُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ولتنصرنَّ وصيَّه، وسينصرونه جميعاً ... ولم ينصرني أَحد من أَنبياء الله ورسله ، وذلك لما قبضهم الله إِليه ، وسوف ينصرونني، ویكون لي ما بين مشرقها إِلى مغربها ، وليبعثنَّ اللّٰـه أَحياء من آدم إِلى مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كُلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يدي بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً، فيا عجباً ، وكيف لا أَعجب من أَموات يبعثهم اللّٰـه أَحياء يلبّون زمرة زمرة بالتَّلبية : لبَّيكَ لبَّيكَ يا داعي اللّٰـه ، قد تخلَّلوا بسكك الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة ، وجبابرتهم وأَتباعهم من جبَّارة الأَوَّلين والآخرين حتَّىٰ ينجز اللّٰـه ما وعدهم في قوله (عَزَّ وَجَلَّ) : [وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا] (6) ؛ أَي : يعبدونني آمنين لا يخافون أَحداً من عبادي ليس عندهم تقيَّة . وإِنْ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأَنا صاحب الرَّجعات والكرَّات ، وصاحب الصَّولات والنقمات ، والدَّولات العجيبات ... » (7). ثانياً : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « في قول اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) : [يَا أَيُّهَا الْـمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ] (8). يعني : بذلك مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وقيامه في الرَّجعة ينذر فيها. وفي قوله: [إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ] (9) يعني: مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نذيراً للبشر في الرَّجعة. وفي قوله: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ](10) في الرَّجعة»(11) . ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، قال : «سمعتُ أَبا عبداللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ يقول : إِنَّ إِبليس قال : [أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] (12) فأَبىٰ اللّٰـه ذلك عليه، فقال : [فَإِنَّكَ مِنَ الْـمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْـمَعْلُومِ] (13)؛ فإِذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إِبليس لعنه الله في جميع أَشياعه منذ خلق الله آدم إِلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرَّة يكرّها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فقلتُ : وإِنَّها لكرَّات؟ قال : نعم ، إِنَّها لكرَّات وكرَّات ، ما من إِمام في قرن إِلَّا ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره حتَّىٰ يُدِيْل اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) المؤمن من الكافر . فإِذا كان يوم الوقت المعلوم كرَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في أَصحابه ، وجاء إِبليس في أَصحابه ، ويكون ميقاتهم في أَرضٍ من أَراضي الفرات ، يقال لها : (الروحاء) قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) العالمين ، فكأَنِّي أَنظر إِلى أَصحاب عَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قد رجعوا إِلى خلفهم القهقرىٰ مائة قدم ، وكأَنِّي أَنظر إِليهم وقد وقعت بعض أَرجلهم في الفرات . فعند ذلك يهبط الجبَّار (عَزَّ وَجَلَّ) في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأَمر ، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَمامه بيده حربة من نور، فإِذا نظر إِليه إِبليس رجع القهقرىٰ ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أَصحابه : أَين تريد وقد ظفرت؟! فيقول : [إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ] (14)، [إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ] (15) فيلحقه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فيطعنه طعنة بين كتفيه ، فيكون هلاكه وهلاك جميع أَشياعه ، فعند ذلك يُعبد اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) ولا يُشرك به شيئاً . ويملك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَربعاً وأَربعين أَلف سنة حتَّىٰ يلد الرجل من شيعة عَلِيّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَلف وَلَد من صلبه ذَكَراً ، في كُلِّ سنةٍ ذَكَراً ، وعند ذلك تظهر الجنَّتان المدهامَّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء اللّٰـه »(16). رابعاً : ورد في بيان الروايات : أَنَّ الرَّجعة من عَالَم وآخرة الدُّنيا ، ومُدَّتها أَربعة أَخماس عُمر الدُّنيا ، فلاحظ : ما رواه حمران بن أَعين : « عمر الدُّنيا مائة أَلف سنة ، لسائر النَّاس عشرون أَلف سنة ، وثمانون أَلف سنة لآل مُحمَّد عليه وعليهم السَّلام »(17). / المعاد تجلِّي للتَّوحيد في مقام الإِيَاب والعودة إِلى اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ)/ وهكذا المعاد ، فإِنَّه تجلِّي للتَّوحيد ؛ وأَنَّ الإِيَابَ والأَوْبَةَ لا تكون إِلَّا للّٰـه ـ الُمسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) ، وهذه غاية حتميَّة لا بُدَّ منها . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان قوله تقدَّس ذكره : [وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا] (18). ودلالته واضحة . 2ـ بیان قوله تعالىٰ ذكره : [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] (19). بتقريب : أَنَّ (اللام) الدَّاخلة على لفظ الجلالة (اللّٰـه) بمعنىٰ : (من) ، فيكون المعنىٰ : (كُنَّا من تلك الحقيقة المُقدَّسة) . ومعنىٰ مرتبة : (إِليه راجعون) : نرجع إِلى نفس تلك الحقيقة . ويُعبِّر أَهل المعرفة عن هذه المرتبة بـ : (جنَّة الذَّات) . 3ـ بیان دعاء النَّاحية المقدَّسة : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسألكَ ... بما نطق فيهم من مشيَّتك ، فجعلتهم معادن لكلماتك ... وآياتك ومقاماتك ... بدؤها منك، وعودها إِليك ... »(20). ودلالته واضحة . وبالجملة : هناك قاعدة معرفية تكوينية أُستفيدت من بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، حاصلها : « أَنَّ نقطة البدء لكُلِّ مخلوق هي نقطة النَّهاية » ، هذا هو معنىٰ (المَعَاد) في الجملة . / حكمة المُرسِل مُنعكسة في حكمة المُرسَل/ ومِنْ ثَمَّ ورد بيان قوله جلَّ جلاله : [مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّـهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ](21) . ومعناه : أَنَّ حكمة الُمرسِل مُنعكسة في حكمة الُمرسَل . ومنه يتَّضح : ردُّ عمر بن الخطَّاب على سيِّد الأَنبياء ’: «إِنَّ الرَّجل ليهجر» (22)، فإِنَّه ردّ على اللّٰـه ؛ لأَنَّه هو الَّذي أَرسله واختاره وانتخبه واصطفاه . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يوسف : 40. (2)البقرة : 247 . (3) لقمان : 27 . (4) بحار الأَنوار، 68: 213/ح8 . (5)آل عمران : 81 . (6) النور : 55 . (7) بحار الأَنوار، 53: 46/ح20 . (8) المدثر: 1ـ2 . (9)المدثر: 35 ـ 36 . (10) سبأ: 28. (11)مختصر البصائر: 113 ـ 114/ح88 ـ 34. (12)الأَعراف : 14 . (13)الحجر: 27ـ 28 . (14) الأَنفال: 48 . (15) الحشر: 16 . (16)بحار الأَنوار، 53: 43/ح12. مختصر البصائر: 115ـ117/ ح91 ـ 37 . (17)بحار الأَنوار، 53: 116/ح22. مختصر البصائر: 494/ح557 ـ 50 . (18) الكهف : 48 . (19)البقرة : 156 . (20) بحار الأَنوار، 59: 393. ما ورد في (الهداية الكبرىٰ)، 449/ح56 . (21) آل عمران : 79. (22) بحار الأَنوار، 30: 535