/ الفَائِدَةُ : (14) /

17/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / النُّبُوَّة والإِمامة الإِلٰهيَّة تكمن في نور النَّبِيِّ والإِمام لا في بدنه/ / ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بحر وحي زخَّار لا نهاية له أَبَداً/ إِنَّ حقيقة النُّبُوَّة لا تكمن في بدن النَّبيّ المقدَّس ، بل في نوره وطبقات حقيقته الصَّاعدة . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله الوارد في حقِّ بيان حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : [مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] (1). وتقريب الدلالة : أَنَّ ضمير (هو) الوارد في هذا البيان الشَّريف وبحسب سياق هذه الآيات المباركة أَنَّ مرجعه نفس مرجع الضمير المستتر في (صاحبكم) و(ينطق) ، وهو ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وقد عبَّر (عَزَّ وَجَلَّ) عنها بصيغة الفعل المضارع (يوحىٰ) المُفيد للتَّجدُّد والِاستمرار التأبيدي ، الدَّال علىٰ أَنَّ ذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ المُقدَّسة بحر وحي زخَّار لا نهاية ولا انقطاع له أَبداً من بداية الخلقة والوجود إِلى مالا نهاية . 2ـ بیان قوله (عزَّ قوله) الوارد أَيضاً في حقِّ بيان حقيقة ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ](2). وتقريب دلالته قد اِتِّضحت من سابقه ؛ فإِنَّه عبَّرَ عن فصل ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بصيغة الفعل المضارع (يوحىٰ) المفيدة للتَّجدُّد والِاستمرار التَّأبيدي ، فتكون ذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بحور وحي خضم زاخرة ، يعب عبابها وتصطحب أَمواجها . وهذا الوحي بعدما كان فصل ذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وبه مُيِّزة عن جملة البشر ، بل وعن مُطلق المخلوقات فلا ينفكّ عنها أَبداً في هذا العَالَم وفي العوالم السَّابقة واللَّاحِقة ، ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي الواردة في حقِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّه : كان في العوالم السَّابقة نبيّاً ورسولاً لكُمَّل المخلوقات ، بل لِـمُطْلَقِها . فانظر : أَوَّلاً : بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « كُنْتُ نبيّاً وآدم بين الماء والطِّين » أَو « بين الرُّوح والجسد » (3). ثانياً : بيان الإِمامين الصَّادقين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما : « إِنَّ الله خلق الخلق وهي أَظلَّة ، فأَرسل رسوله مُحمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فمنهم مَنْ آمن به ، ومنهم مَنْ كذَّبه ، ثُمَّ بعثه في الخلق الآخر ؛ فآمن به مَنْ كان آمن به في الأَظلَّة ، وجحده مَنْ جحد به يومئذ ، فقال : [فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ] (4) » (5). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن المُفَضَّل بن عمر، قال : « ... يا مُفَضَّل، أَمَا علمتَ أَنَّ الله (تباركٰ وتعالىٰ) بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وهو روح إِلى الأَنبياء عَلَيْهم السَّلاَمُ وهم أَرواح قبل خلق الخلق بأَلفي عام ؟ قلتُ : بلىٰ ، قال : أَمَا علمتَ أَنَّه دعاهم إِلى توحيد الله وطاعته واِتِّباع أَمره ، ووعدهم الجنَّة علىٰ ذلك ، وأَوعد مَنْ خالف ما أَجابوا إِليه وَأَنكره النَّار؟ قلتُ : بلىٰ ... »(6) . رابعاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ما بَعَثَ الله نبيّاً أَكرم من مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ولا خلق الله قبله أَحَداً ، ولا أَنذر الله خلقه بأَحد من خلقه قبل مُحمَّد ، فذلك قوله تعالىٰ : [هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى] (7) وقال : [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] (8) ، فلم يكن قبله مُطاع في الخلق ، ولا يكون بعده إِلى أَنْ تقوم السَّاعة ، في كُلِّ قرنٍ إِلى أَنْ يرث الله الأَرض وَمَنْ عليها »(9) . ودلالة الجميع واضحة ولا غبار عليها . ثُمَّ إِنَّ صفة : (عدم تناهي وحي ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم يثبتها القرآن الكريم لأَحدٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَطُّ ، بل لم يثبتها لنفسه (10) ؛ فإِنَّه عبَّر عنها بصيغة الماضي ، (أَوحينا) ، الدَّالة علىٰ التناهي . فلاحظ : بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا] (11). ودلالته واضحة . ثُمَّ إِنَّ وحي ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هذا أَعظم من دون قياس من عَالَم الآخرة الأَبديَّة ؛ لعُلُوِّ مرتبته ومقاماته ؛ فإِنَّه من عوالم نوريَّة صاعدة . وَمِنْ كُلِّ ما تقدَّم يتَّضح : أَنَّ من مُقوِّمات معرفة حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ معرفته ومعرفة صفاته وَأَسماءه وشؤونه وَأَحواله في جملة العوالم السَّابقة واللَّاحقة ؛ من بداية خلقة عَالَم الإِمكان والوجود إِلى ما لا نهاية له ، بحسب ما أَصحرت به بيانات الوحي . وعلىٰ ما تقدَّم قِس حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة والإِمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ ؛ فإِنَّهما يرتضعان من ثديٍ واحدٍ من هذه الجهة . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء مُخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما علىٰ آلهما) : « ... يا أَبا الحسن ... وما أَكرمني الله بكرامةٍ إِلَّا أَكرمكَ بمثلها ... »(12) . 2ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « كُلُّ ما كان لمُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فلنا مِثله إِلَّا النُبُوَّة والأَزواج »(13). وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)النجم : 2ـ 4 . (2) الكهف : 110 . (3)بحار الأَنوار، 18 : 278 . (4) يونس : 74 . (5)بحار الأَنوار، 5: 259/ح64. (6)بحار الأَنوار، 39: 194ـ195/ح5. علل الشرائع: 65. (7)النجم : 56 . (8)الرعد : 7 . (9) بحار الأَنوار، 16 : 371/ح82 . (10) مرجع الضمير في (يثبتها) و( لنفسه): القرآن الكريم . (11) الشورى : 52 . (12)بحار الأَنوار، 24: 64/ح49. (13) بحار الأَنوار، 26: 317/ح83. تفضيل الأَئمَّة: (مخطوط).