/ الفَائِدَةُ : (13) /
17/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حقيقة إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ على طبقات غير متناهية/ / القرآن الكريم بجملته يحوم حول إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ انَّ مَنْ يُراجع بحور معارف الوحي الموَّاجة ، وراجع أَوَّلها وآخرها ، وتدبَّر في أَلفاظها ومعانيها وحقائقها ، والَّتي لا يُدرَك طرفها ، ولا يبلغ قعر بحورها الخضم الزاخرة ، والَّتي من تقدَّمها غرق في بحر الإِفراط ، ومن تأَخَّر عنها زهق في برِّ التفريط ، الَّتي لا تُخرِج إِلى عوجٍ ، ولا تُزيل عن منهج حقٍّ ، طريق الحقّ الأَبلج ، وصراط اللَّـه المُستقيم ، وأَراد التقاط درر الحقيقة ، ومشىٰ كما تشاء الصناعة العلميَّة والقواعد الأُصوليَّة ، وانبثق له نور الحقيقة ، وتجلَّىٰ عنه ظلام الجهل ، وانكشفت لديه الحكمة فسيصل إِلى منزلةِ جَبَلاً فنْداً ، وَحَجَراً صلداً ،لا يرتقيها الحافر ، ولا يوفي عليها الطائر ، وسيجد أَنَّ لحقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة الـمُتَمتِّع بها أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مراتب ودرجات وطبقات غير متناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، غاية في الخطورة ، عجيبة وغريبة ، ومهولة جِدّاً ، بل القرآن الكريم بجملته يحوم حومها ، ويطوف طورها ، ويدور بأَكمله حول حقيقتها وماهيَّتها وشؤونها ؛ وحقيقة وماهيَّة وشؤون نبوَّة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ وحقيقة وماهيَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وشؤونها ، فهو كتابٌ سماويٌّ إِلٰهيٌّ لبيان : الهويَّة النَّبويَّة لسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، والهويَّة الولويَّة لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «إِنَّ اللَّـهَ جعل ولايتنا أَهل البيت قطب القرآن ، وقطب جميع الكُتُب ، عليها يستدير مُحكم القرآن ، وبها نَوَّهت الكُتُب ، ويستبين الإِيمان ، وقد أَمر رسول اللَّـه ’ أَنْ يُقتدىٰ بالقرآن وآل مُـحَمَّد ، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها : إِنِّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأَكبر ، والثقل الأَصغر ، فأَمَّا الأَكبر فكتاب ربِّي ، وأَمَّا الأَصغر فعترتي أَهل بيتي فاحفظوني فيهما ، فلن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما»(1). ودلالته واضحة. ومن ثَمَّ مَا ورد في بيان قوله تقدَّس اسمه : [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ](2)برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على قاعدة معرفيَّة قرآنيَّة أَصيلة ، حاصلها : (أَنَّ الغاية والغرض الأَصلي في كلِّ ما ورد من قصص كُمَّل المخلوقات في القرآن الكريم : إِشارة إِلى سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ). وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... بل فينا ضَرَبَ اللّٰـهُ الأَمثال في القرآن ، فنحن القرىٰ الَّتي باركَ اللّٰـه فيها ...» (3). فمقصود القرآن الأَصلي والجدِّي والغائي من ذكر أَحوال وشؤون وقصص النَّبيّ : (آدم ، ونوح ، وإِبراهيم ، وموسىٰ ، وعيسىٰ) وسائر الأَنبياء والرُّسُل ، والأَوصياء والأَصفياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، وكُمَّل النساء كـ : (حوآء ، ومريم ، وآسِيَة) ليس نفس هذه الذوات المُقدَّسة ، بل مخلوقات أُخرىٰ أَقدس ؛ أَوَّلها إِنشاءً وخلقةً ، وأَعظمها شأناً ورفعةً ، وأَرفعها مقاماً ، وأَخطرها هولاً ومسؤوليَّةً وإِدارةً ودوراً في عوالم الوجود والإِمكان والخلقة غيرالمتناهية ، وأَعلاها شأواً وقدسيَّةً إِلٰهيَّة ؛ وهم : سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ الأَطهار صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فما ورد في بيان وصيَّة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : مقام (مريم الكبرىٰ) ، كنعتٍ ومقامٍ من نعوت ومقامات فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها حينما أَخذ بيدها حال إِحتضاره ووضعها بيد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وقال : «يا عَلِيّ ، هٰذه واللَّـه سيِّدة نساء أَهل الجنَّة من الأَوَّلين والآخرين ، هٰذه واللَّـه مريم الكبرىٰ...»(4) برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ (مريم) الَّتي ذُكرت في بيانات القرآن الكريم ليست هي المراد والمقصود الأَصلي والجدِّي والغائي ، وإِنَّما هي قنطرة وتذكرة ؛ ومَثَل مُقدَّس ومطهَّر للمقصود النهائي : (فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها). هٰكذا حال آسِيَة بنت مُزاحِم ؛ فإِنَّها وإِنْ كان مِـمَّن كملن واصطفين ، لكنَّها ذُكرت في بيانات القرآن الكريم كمَثَل ضَرَبَه اللَّـه (عزَّ وجلَّ) لِـمَنْ قتلها فرعون عصرها (عثمان) : السيِّدة رقيَّة بنت سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهما وعلى آلهما ؛ فإِنَّها الأَعظم شأناً ، والأَرفع مقاماً. وعلى هذا قس : أَحوال وشؤون ومقامات سائركُمَّل المخلوقات الواردة في بيانات القرآن الكريم ؛ فإِنَّ الغاية النهائيَّة منها الإِشارة إِلى أَحوال أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وشؤونهم ومقاماتهم. بعد الْاِلْتِفَات : إِلى أَنَّ المراد الجدِّي في الكلام : أَعظم دلالة دائماً من المراد الإِستعمالي. وهذا يدلُّ على مدىٰ عظمة وخطر وهول حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وعلوّ شؤونهم ومقاماتهم. ومن ثَمَّ ورد في بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بحضور الخؤون ـ المأمون ـ العبَّاسي : إِنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ لم يُسلِّم في القرآن الكريم على آل نبيٍّ قَطُّ إِلَّا على آل محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. فانظر : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... فإنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ أَعطىٰ مُحمَّداً وآل مُحمَّد من ذلك فضلاً لا يبلغ أَحد كُنْه وصفه إِلَّا من عقله ، وذلك أَنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ لم يُسَلِّم على أَحدٍ إِلَّا على الأَنبياء عَلَيْهم السَّلاَمُ ، فقال تبارك وتعالىٰ: [سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ](5) ، وقال : [سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ](6)، وقال : [سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ](7)، ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل إبراهيم ، ولا قال : سلام على آل موسىٰ وهارون ، وقال عزَّ وجلَّ : «سلام على آل يس» : يعني : آل مُحمَّد. فقال المأمون : قد علمت أَنَّ في معدن النُّبوَّة شرح هذا وبيانه ...»(8). وهذه الآية القرآنية الكريمة قد وردت بقرائتين : إحداهما : «إِل ياسين» ، والأُخرىٰ : «آل ياسين» ، وفي كلتيهما دلالة على المطلوب ، فإِنَّ (ياسين) أَحد أَسماء سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، و (إِل) : الرحم ، كما ورد في بيان قوله جلَّ شأنه : [لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً](9) ، وتعني في اللغة : (آل) ، فكان معناهما واحداً ، فالتفت. ويُضاف لِـمَا تقدَّم : بيان قوله جلَّت آلاؤه : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](10)؛ فإذا كان آل إبراهيم عَلَيْهم السَّلاَمُ أُعطوا ملكاً إِلٰهيّاً عظيماً ؛ فكيف بالأَخطر والأَعظم دوراً ومسؤوليَّة وهيمنة وإِدارة إِلٰهيَّة لطُرِّ العوالم وكافَّة المخلوقات : أَهْل الْبَيْتِ : سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. ومِنْ كُلِّ هذا يتَّضح : إِتفاق المسلمين على أَنَّ القرآن الكريم نصَّ : على أَنَّ لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مقامات وشؤون فوق مقامات وشؤون سائر أَنبياء أُولي العزم عَلَيْهم السَّلاَمُ . وعليه : فإِذا لم يؤتَ بتعريفٍ كاشفٍ عن حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة ؛ باعتبار: أَنَّها تنصيبٌ وفعلٌ من أَفعال السَّاحة الإِلٰهيَّة ؛ فلا يُلبّى العطش البشري لمعرفتها، ومعرفة خصائصها وشؤونها (11)، ولا تُحلُّ الإِشكالات والإثارات والتساؤلات المثارة عليها. وهذا أَمرٌ بالغُ الأَهميَّة والخطورة ، يدعو الباحثين إِلى إِعادة النظر والفحص والتنقيب ؛ فيما أَصحرت به بيانات الوحي الباهرة الوافرة ؛ عن حقيقة إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وإِذا رجعنا إلى تلك البيانات لوجدناها على طوائف ، تذكر كُلُّ واحدةٍ منها بعض خصائصها وفصولها وأجناسها ، وبضمِّ بعضها إلى الآخر يتجلَّىٰ التعريف المناسب. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 89 : 27/ح29. تفسير العيَّاشي ، 1: 5. (2) يوسف : 111. (3) بحار الأَنوار ، 24 : 232 ـ 233/ح1. احتجاج الطبرسي : 178. (4) بحار الأَنوار ، 22: 484/ح31. الطرف : 29 ـ 34. (5) الصافات : 79. (6) الصافات : 109. (7) الصافات : 120. (8) بحار الأَنوار ، 25: 220 ـ 233/ح20. أَمالي الصدوق : 312 ـ 319. عيون الأَخبار: 126ـ133. تحف العقول : 415ـ 436. (9) التوبة : 10. (10) النساء : 54. (11) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ زيادة معرفة المخلوق بأَئمَّة أَهْل الْبَيْتِ الأَطهار صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يوجب علو مراتبه ودرجاته ؛ وعلو تكامل جوهره