/ الفَائِدَةُ : ( 1 ) /
16/08/2024
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة/ إِنَّ الثابت بالضرورة الدينيَّة ، والشَّرعيَّة ، وعند كافَّة فرق المسلمين ، وبالبيانات الوحيانيَّة البالغة فوق التواتر اللَّفظي والعقلي والوحياني : أَنَّ أَشرف وأكمل جملة المخلوقات ، وأَوَّل ما خلق اللَّـه على الإِطلاق : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من نورٍ واحدٍ ... ثُمَّ خلق اللَّـه السَّماوات والأَرض ، وخلق الملائكة ، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ، فسبَّحنا ... فسبَّحت الملائكة ، وكذا(1) في البواقي ، فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا ، وحقيق على اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) كما اختصَّنا واختصَّ شيعتنا أَنْ يزلفنا وشيعتنا في أَعلىٰ عليِّين ، إِنَّ اللَّـه اصطفانا واصطفىٰ شيعتنا من قبل أَنْ نكون أَجساماً ... »(2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّه لو كانت هناك مخلوقات من جملة المخلوقات والعوالم ـ منها : عَالَم المُجرَّدات التامَّة ؛ عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ فضلاً عمَّا دونها ـ مخلوقة قبل رأس هرم طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة لَـمَا عبَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأَطلق بيانه : «فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا». بعد الاِلتفات : أَنَّ الأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ، والصفات الإِلٰهيَّة (ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة) ـ كما سيأتي بحثه (إِنْ شاء اللّٰـه تعالىٰ) ـ مخلوقات مُكرَّمة مهولة ، تُسَبِّح اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ وتمجِّده وتُقدِّسه وتُوحِّده. 2ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيضاً : « أَوَّل ما خلق اللَّـه نوري ، ابتدعه من نوره ، واشتقَّه من جلال عظمته ، فأَقبل يطوف بالقدرة حتَّىٰ وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثُمَّ سجد للَّـه تعظيماً ففتق منه نور عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فكان نوري مُحيطاً بالعظمة ، ونور عَلِيّ محيطاً بالقدرة ، ثُمَّ خلق العرش واللوح(3) والشَّمس وضوء النهار ونور الأَبصار ، والعقل والمعرفة ، وأَبصار العباد وَأَسماعهم وقلوبهم من نوري ، ونوري مُشْتَقّ من نوره . فنحن الأَوَّلون ونحن الآخرون ، ونحن السَّابقون ... ونحن كلمة اللَّـه ، ونحن خاصَّة اللَّـه ... ونحن وجه اللَّـه ... ونحن يمين اللَّـه ... ونحن محال قدس اللَّـه...»(4). 3ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيضاً : « ... خلقنا اللَّـه نحن حيث لا سماء مبنيَّة ولا أَرض مدحيَّة ، ولا عرش ولا جنَّة ولا نار ، كُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس ، فلمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ، ونوري من نور اللَّـه ، وأَنا أَفضل من العرش ، ثُمَّ فتق نور ابن أَبي طالب فخلق منه الملائكة ... وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السَّماوات والأَرض ... ثُمَّ فتق نور الحسن فخلق منه الشَّمس والقمر ... ثُمَّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنَّة والحور العين ... »(5). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وأَشرفها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأطلق قوله : «وكُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس » ، وكذا كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « فَلَمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه ... » . 4ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... يا عَلِيّ ... وأَنت السبب فيما بين اللَّـه وبين خلقه بعدي ... »(6). 5ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، عن جابر بن عبداللَّـه ، قال : « قلتُ لرسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : أَوَّل شيء خلق اللَّـه تعالىٰ ما هو؟ فقال : نور نبيِّك يا جابر ، خلقه اللَّـه ثُمَّ خلق منه كُلّ خير ، ثُمَّ أَقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللَّـه ثُمَّ جعله أَقساماً ، فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ... »(7). 6ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... والنَّبيُّ والعترة ... رأس دائرة الإِيمان ، وقطب الوجود ، وسماء الجود ... جلَّ مقام آل محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وان يُقاس بهم أَحد من العالمين ... فهم خاصَّة اللَّـه وخالصته ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... »(8). 7ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « كان اللَّـه ولا شيء معه ، فأَوَّل ما خلق نور حبيبه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قبل خلق الماء(9)والعرش والكرسي والسَّماوات والأَرض ، واللوح والقلم ، والجنَّة والنَّار ، والملائكة وآدم وحواء بأربعة وعشرين وأَربعمائة أَلف عام ، فلمَّا خلق اللَّـه تعالىٰ نور نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بقي أَلف عام بين يدي اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) واقفاً يُسَبِّحه ويحمده ، والحقُّ تبارك وتعالىٰ ينظر إِليه ويقول : يا عبدي ، أَنْتَ المراد والمريد ، وأَنْتَ خيرتي من خلقي ... فخلق اللَّـه منه اثني عشر حجاباً ، أَوَّلها حجاب القدرة ، ثُمَّ حجاب العظمة ، ثُمَّ حجاب العزَّة ، ثُمَّ حجاب الهيبة ، ثُمَّ حجاب الجبروت ... ثُمَّ حجاب الكبرياء ... ثُمَّ إِنَّ اللَّـه تعالىٰ خلق من نور مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عشرين بحراً من نورٍ ، في كلِّ بحر علوم لا يعلمها إِلَّا اللَّـه تعالىٰ ... قال الله تعالىٰ : يا حبيبي ، ويا سيِّد رسلي ، ويا أَوَّل مخلوقاتي ، ويا آخر رسلي ... ثُمَّ قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة أَلف وأَربعة وعشرين أَلف قطرة ، فخلق اللَّـه تعالىٰ من كُلِّ قطرة من نوره نبيّاً من الأَنبياء ، فلَمَّا تكاملت الأَنوار صارت تطوف حول نور مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كما تطوف الحجاج حول بيت اللَّـه الحرام ... »(10). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة أَيضاً ؛ على أَنَّ أَوَّل المخلوقات وأَشرفها وأَعلاها مقاماً وفضلاً وكمالاً طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « كان اللَّـه ـ أَي: المُسَمَّىٰ (جلَّ وتقدَّس) ـ ولا شيء معه ـ فليس معه (تقدَّس ذكره) صفة إِلٰهيَّة ولا اسم إِلٰهي ، ولا مخلوق البتَّة ـ فأَوَّل ما خلق ـ على الإِطلاق ـ نور حبيبه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ » . ثُمَّ خلق ـ كما صرَّحت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ـ نور أَمير المؤمنين ، ثُمَّ نور فاطمة الزهراء ، ثُمَّ نور الحسن ، ثُمَّ نور الحسين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. 8ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ليس شيء أَقرب إِلى اللَّـه من رسوله ، ولا أَقرب إِلى رسوله من وصيِّه ، فهو في القرب كالجنب ... »(11). 9ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ونحن السبيل فيما بين اللَّـه وخلقه ، ونحن الرباط الأَدنىٰ ... »(12). 10ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... ونحن أُمناؤه على خلقه ... والحجاب فيما بينه وبين خلقه ... »(13). 11ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ما بعث اللَّـه نبيّاً أَكرم من محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ولا خلق اللَّـه قبله أَحدا ... »(14). 12ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ... كان أَقرب الخلق إِلى اللَّـه تبارك وتعالىٰ ... »(15). 13ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ليس شيء يخرج من اللَّـه حتَّىٰ يبدأ برسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بأَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ واحداً بعد واحد ... »(16). 14ـ بيان الإِمام الكاظم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ما خلق اللَّـه خلقاً أَفضل من مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ولا خلق خلقاً بعد مُحمَّد أَفضل من عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ »(17). 15ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ودعا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فكان نفسه بحكم اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) ، فقد ثبت أَنَّه ليس أَحد من خلق اللَّـه تعالىٰ أَجلّ من رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأَفضل ، فواجب أَنْ لا يكون أَحداً أَفضل من نفس رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بحكم اللَّـه تعالىٰ ... »(18). 16ـ بيان الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ(19) عن محمَّد بن سنان ، قال : « ... يا مُحَمَّد ، إِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ لم يزل مُتفرِّداً بوحدانيَّته ، ثُمَّ خلق مُحَمَّداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا أَلف دهر ، ثُمَّ خلق جميع الأَشياء ، فأشهدهم خلقهم ، وأَجرىٰ طاعتهم عليها ، وفوَّض أُمورها إِليهم ، فهم يُحلِّون ما يشاؤون ، ويُحرِّمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إِلَّا أَنْ يشاء اللَّـه تبارك وتعالىٰ ، ثُمَّ قال : يا مُحمَّد ، هذه الديانة الَّتي مَنْ تقدَّمها مرق ، ومَنْ تخلَّف عنها محق ، ومَنْ لزمها لحق ، خذها إِليك يا مُحَمَّد »(20). 17ـ بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، وفيكم استقرَّت الأَنوار والمجد والسؤدد ، فليس فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه ، ولا أَقرب إِليه منكم ، ولا أَكرم عليه منكم ، ولا أَحظىٰ لديه ... »(21). 18ـ بيان زيارتهم(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) أَيضاً : « ... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، ومنكم استقرَّت الأَنوار والعزَّة والمجد والسؤدد ، فما فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه الكبير المُتعال ، ولا أَقرب إِليه ولا أَخصّ لديه ولا أَكرم عليه منكم ... »(22). 19ـ بيان زيارتهم(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) أَيضاً : « ... آتاكم اللَّـه ما لم يؤتَ أَحداً من العالمين ، طأطأ كُلّ شريفٍ لشرفكم ، وبخع(23) كُلّ متكبِّر لطاعتكم ، وخضع كُلّ جبّارٍ لفضلكم ، وذلّ كُلّ شيءٍ لكم ... »(24). ودلالة الجميع واضحة ؛ على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وجوداً وخلقة ، وأَشرفها وأَعلاها سؤدداً ومقاماً وفضلاً وكمالاً ، وأَقربها إلى الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) ، وأَخصَّها عنده : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) زاد في المصدر: «وقدَّسنا وقدَّست شيعتنا، وقدَّست الملائكة، وكذا». (2) بحار الأَنوار، 27: 131/ح122. المحتضر: 112 ـ 113. (3) المراد من عنوان (اللوح) الوارد في بيانات الوحي: الموجود الَّذي تُنتقش فيه أُمور وحقائق تكوينيَّة ، وليس نقش تطريز وخرائط وأُمور اِعتباريَّة. (4) بحار الأَنوار، 25: 22/ح38. رياض الجنان: (مخطوط). (5) بحار الأَنوار، 25: 16/ ح30. (6) بحار الأَنوار، 22: 147 ـ 148/ ح141. كتاب سليم بن قيس: 215 ـ 216. (7) بحار الأَنوار، 25: 21 ـ 22/ح37. (8) المصدر نفسه: 169 ـ 174/ ح38. (9) ينبغي الاِلتفات: أَنَّ لعنوان: (الماء) الوارد في بيانات معارف الوحي، منها : هذا البيان الشريف ليس السائل المعهود ، بل له رمزيَّة عجيبة وعظيمة جِدّاً ؛ فإِنَّ همزة (ماء) ليست من الحروف الأَصليَّة للكلمة فتكون مقلوبة عن (هاء) ، وكذا أَلفها فتكون مقلوبة عن (واو)، فيكون أَصلها: (موه)، أَي: ماهية وأَصل الأَشياء، وهو: (الْعِلْم). ثُمَّ إِنَّ حقيقة (الْعِلْم) عَالَمٌ برأسه ، مخلوق من مخلوقات عوالم الخلقة الصَّاعدة ، فوق عَالَم العرش ، ولحقيقته نشأة ملكوتيَّة يراها العَالِم ولا يراها الجاهل ؛ لعدم تفعيله لأَبدانه وحواسها وقواها الصاعدة ، فإِنّ الْعِلْم ماء حياتها ، فكما أَنَّ للأَبدان الغليظة المعهودة غذاؤها وشرابها المادِّي الغليظ ، وتستدام حياتها به ، وتموت بتركه ، كذلك حال الأَبدان الصَّاعدة وحواسّها وقواها ، لكن غذاؤها ما يناسب تلك العوالم ، وهو : الْعِلْم والتسبيح والتحميد وذكر اللَّـه الكريم ، فهذا ليس غذاء الملائكة والمخلوقات الصاعدة فحسب ، بل وغذاء أَبدان الإِنسان الصاعدة وحواسها وقواها. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن زيد الشحام : « في قول اللَّـه : [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ] [عبس: 24] قال : قلتُ : ما طعامه ؟ قال : علمه الَّذي يأخذه مِـمَّن يأخذه ». بحار الأَنوار، 2: 96/ح38. (10) بحار الأَنوار، 15: 27 ـ 29. (11) المصدر نفسه، 4: 9. (12) بحار الأَنوار، 24: 216ـ 217/ ح8 . (13) المصدر نفسه، 25: 363/ ح23. المحتضر: 159 ـ 160. (14) بحار الأَنوار، 16: 371/ ح82 . (15) المصدر نفسه، 5: 236/ ح12. (16) المصدر نفسه، 26: 92/ح20. (17) المصدر نفسه، 16: 377/ ح88 . (18) بحار الأَنوار، 10: 350/ ح9. الفصول المختارة، 1: 15. (19) يجدر الاِلتفات في المقام إِلى القضايا التَّالية : القضيَّة الأُولَىٰ : / حقبة الإِمام الجواد مرحلة جديدة في الدور التَّربوي والتَّدبير والحكمة الإِلٰهيَّة/ الظَّاهر من كثير من بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّ حقبة ومرحلة إِمامة الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الإِلٰهيَّة حقبة ومرحلة جديدة في الدور التربوي والتَّدبير الإِلٰهيّ والحكمة الإِلٰهيَّة للمؤمنين والمسلمين والبشريَّة جمعاء ، بل ولجملة المخلوقات. القضيَّة الثَّانية : / جهات شبه إِعجازية اظهرتها يد السَّماء بين النَّبيّ عيسىٰ والإِمام الجواد / هناك جهات شبه واشتراك ببراهين عقليَّة تكوينيَّة إِعجاريَّة جلَّتها يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة واظهرتها في النَّبيّ عيسىٰ والإِمام الجواد عَلَيْهما السَّلاَمُ ، منها : 1ـ صغر السَّن في تولِّي المسؤوليَّة والمهام الإِلٰهيَّة ، وهذه جهة شبه بينهما عَلَيْهما السَّلاَمُ ليست صدفة ، بل موازاة في المرحليَّة تكشف عن تنامي عقليَّة البشر ، ودور القائد الإِلٰهيّ ، وتحكي تكويناً عن خطابٍ إِلٰهيٍّ موجَّه إِلى كافَّة أَجيال البشر بكُبَّارهم ونوابغهم ؛ وعِبْرَ القرون إِلى عَالَم القيامة أَنَّكم أَيُّها البشر لستم مُؤهَّلين للقيادة كما أُهِّل هذا الصَّغير. 2ـ البركة ، فقد جعلتها يد السَّاحة الإِلٰهيَّة فيهما عَلَيْهما السَّلاَمُ. فانظر : بیان قوله جلَّ قوله المُقتص لخبر النَّبيّ عيسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ : [وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ] [مريم: 31]. وبيان الإِمام الرِّضا الوارد في حقِّ وَلَده الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهما ، قال : « ... لم يولد مولود أَعظم على شيعتنا بركة منه » . بحار الأَنوار ، 50 : 23/ح14 . الارشاد: 299. الكافي، 1: 321. ودلالتهما واضحة . والمراد من عنوان (البركة) الوارد في المقام : السَّعادة ؛ وهي ثمرة القيادة الإِلٰهيَّة ، وثمرة القيادة الحكيمة عندما يكون بالانتخاب والاِصطفاء الإِلٰهيّ ، فعندما تبغي البشريَّة ، بل جملة المخلوقات سعادةً ونموّاً وكمالاً في كافَّة عوالم الخلقة غير المتناهية ، ولكي يصل المخلوق إِلى الفرد الكامل ، والمدينة إِلى المدينة الفاضلة عليه نشب اظفاره والتَّشبُّث بكُلِّ ما أُوتي من مُكْنَةٍ وقدرةٍ وقوَّةٍ بِمَنْ نصَّبته يد السَّاحة الإِلٰهيَّة للقيادة والرِّيادة الإِلٰهيَّة ، فالتَّنصيب والاِصطفاء الإِلٰهيّ والقيادة الإِلٰهيَّة ينبوع السَّعادة والبركة الدَّائمة ، وعملية در وسيل للبركة غير المتناهية ، وارفادها عبر جملة العوالم غير المتناهية أَيضاً. القضيَّة الثَّالثة : / مصاهرة المأمون للإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ للاستفادة من موقعيَّته/ هناك بصمة حصلت في حياة الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَجْدُرُ الْاِطِّلَاع عليها ، حاصلها : أَنَّ رئيس السلطة العباسيَّة يعيش هو وعائلته في نغنغة الترف والبذخ ، وصاحب الوجاهة والأُبَّهة ، ورئيس دولة عظمىٰ تشمل خمسين دولة في عِدَادِ العصر الرَّاهن ومع كُلّ هذا وغيره يصرُّ على أَنْ يتشرَّف بتزويج الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في المدينة المُنوَّرة من كريمته بنت الدلال والحرير المخملي والرَّياحين والقصور ، ليذهب بها إِلى بيته صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ المتواضع في المدينة المُنوَّرة صاحبة الصيف القائض. وهذه القضيَّة تدلُّ ـ من جهة سياسيَّة ، ومن جهة دينيَّة ، ومن جهة مناورة سياسيَّة ومناورة حضاريَّة يقوم بها المأمون مع الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ أَنَّه لمس منه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عظم موقعيَّته وقدرته وسلطته ، فزجَّ بابنته كيما يكتسب من قدرته صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسلطته وسطوته ومكانته العلمية والمعرفيَّة في نفوس المؤمنين والمسلمين ليضمها إِلى قدرته وسلطته وسطوته ومكانته. ثُمَّ إِنَّ المأمون جلبه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعد ذلك وزوجته إِلى بغداد ؛ لكونه أَحسَّ أَنَّ هذا الصَّبي لم يُفرِّط بتراث آبائه وأَجداده ، بل زاده قوَّة في العلم والمعرفة والإِدارة ، وفي تنامي قاعدته الشعبيَّة والجماهيريَّة ، وفي التستُّر الأَمني وهلمَّ جرّاً . القضيَّة الرَّابعة : / تحوُّل فداء وولاء بني العبَّاس إِلى عداء لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / / موازين أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ محاسبة الحاكم أَوَّلاً / كان بني العبَّاس في زمن الدَّولة الأَمويَّة فدائيِّين لمنهاج أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فالمنصور الدوانيقي ـ مثلاً ـ وفي عهد بني أُميَّة كان من المهاجرين في البلدان ؛ لتبليغ ونشر التَّشيُّع والتَّرويج لمَدْرَسَة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وبلغ من تفاديه في نشر فضائل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّه جاهر بها في الشام ، فأَشبعوه ضرباً کادت تزهق فيه نفسه ، لكنَّهم ما أَنْ استلموا الحكم حتَّىٰ تبدَّلَ ذلك الولاء إِلى عداء لهم( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ). والنُّكْتَة : أَنَّهم رأوا بالموازين الَّتي يُقَنِّنَها أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّها تُحاسبهم كحُكَّام قبل أَنْ تُحاسب غيرهم ، فالحُكم على وفق مقاسات وموازين أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ صعب مُستصعب ، فلكي يستتبَّ لهم الأَمر، ويحلوا لهم ما تريده أَنفسهم الأَمَّارة بالسُّوء نصبوا لهم(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) الحرب والعداء. (20) بحار الأَنوار، 15: 19/ ح29. الأصول، 1: 441. (21) بحار الأَنوار، 97: 344. المزار الكبير: 877 . (22) بحار الأَنوار، 99: 152. (23) خ . ل: (نخع). خ . ل: (نجع). (24) بحار الأَنوار، 99: 132. عيون الأَخبار، 2: 272 ـ 277